أعاد الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بلاده إلى واجهة الأحداث الإقليمية والدولية، بعد أن أعلن أمس عن دخول دمشق في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل تهدف إلى التوصل لاتفاق أمني يعيد تل أبيب إلى حدود ما قبل الثامن من ديسمبر، تاريخ سقوط نظام بشار الأسد.

هذا الإعلان ليس مجرد خطوة سياسية، بل هو تعبير عن رؤية الشرع لمستقبل سوريا، التي يحاول أن ينقلها من مرحلة الانهيار والفوضى إلى مرحلة الدولة الجديدة، القادرة على التعامل بندية مع ملفات الحرب والسلام.
 

الشرع: رجل المرحلة بعد سقوط الأسد
منذ توليه السلطة الانتقالية عقب سقوط الأسد، حاول الشرع أن يقدم نفسه كرجل تسوية وواقعية سياسية، بعيدًا عن الشعارات التي غلبت على النظام السابق.

وفي مقابلة مع قناة الإخبارية السورية، قال: "التفاوض لم ينتهِ بعد، نحن نسعى لعودة إسرائيل إلى ما كانت عليه قبل الثامن من ديسمبر، وفق اتفاق فض الاشتباك لعام 1974".

بهذا التصريح، أعاد الشرع فتح ملف ظل معلقًا لعقود، في إشارة إلى أنه مستعد لتحويل التحديات الأمنية إلى فرص دبلوماسية يمكن أن تعيد الاستقرار لحدود سوريا الجنوبية.
 

رؤية الشرع للعلاقات الخارجية
يرى الشرع أن مستقبل سوريا لا يمكن أن يُبنى إلا عبر شبكة علاقات متوازنة مع القوى الكبرى. فقد أكد أنه استطاع بناء علاقة جيدة مع واشنطن والغرب عمومًا، مع الحفاظ على خطوط اتصال هادئة مع روسيا.

وفي حديثه عن مصر، قال إن العلاقات تسير نحو التحسن، معتبرًا القاهرة "شريكًا طبيعيًا لسوريا الجديدة".

أما عن إيران، فقد بدا الشرع واضحًا حين قال إن "سقوط الأسد أخرج الأذرع الإيرانية من المنطقة"، مشددًا على أن دمشق لم تعد جزءًا من المحور الإيراني، في خطوة يرى فيها المراقبون تحولًا استراتيجيًا بعيد المدى.
 

الموقف من الداخل السوري
رغم انشغاله بالملفات الإقليمية، لم يغفل الشرع التحديات الداخلية، مؤكدًا أن سوريا لا تقبل القسمة ولن تتنازل عن وحدة ترابها.

وكشف عن مباحثات متعثرة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بشأن ترتيبات في شمال شرق البلاد، مشددًا على أن هذه الترتيبات يجب أن تتم في إطار الدولة الواحدة.

بهذا الموقف، يرسل الشرع رسالة مزدوجة: فهو يمد يده للحوار لكنه يرفض أي مشروع انفصالي أو تقسيم، واضعًا بذلك خطوطًا حمراء واضحة أمام جميع الأطراف.
 

الشرع ومأزق المفاوضات مع إسرائيل
منذ اليوم التالي لسقوط الأسد، أعلنت إسرائيل خروجها من اتفاق فض الاشتباك وسيطرت على مناطق حساسة مثل جبل الشيخ. واليوم، يجد الشرع نفسه أمام معادلة معقدة: التفاوض من أجل استعادة الحدود، مع ضمان عدم تحول سوريا إلى ساحة مفتوحة للغارات الإسرائيلية.

وفي الوقت ذاته، تعكس تصريحاته حرصه على هدوء طويل الأمد مع تل أبيب، بما يتيح له التركيز على إعادة بناء الداخل. لكن المراقبين يرون أن نجاحه مرهون بقدرته على الجمع بين متطلبات الأمن القومي وضغوط الداخل وتوازنات الخارج.
 

بين الفرصة والتحدي
يبدو واضحًا أن أحمد الشرع يسعى لفرض نفسه كزعيم انتقالي مختلف، يوازن بين الميدان والدبلوماسية، بين إعادة بناء الدولة داخليًا، وبين صياغة علاقات جديدة مع الإقليم والعالم.

لكن هذا الطريق محفوف بالتحديات، فالمفاوضات مع إسرائيل لم تُحسم بعد، والملفات الداخلية ما زالت عالقة، فيما تنتظر القوى الإقليمية والدولية لترى ما إذا كان الشرع قادرًا على تحويل اللحظة الانتقالية إلى تأسيس دائم لدولة سورية جديدة.