في مثل هذه الأيام، تحل ذكرى استشهاد الشيخ عز الدين القسام (20 نوفمبر 1935)، القائد الذي سطّر بدمه ملحمة مبكرة في تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية.
هذه الذكرى لا تقتصر على استحضار الماضي، بل ترتبط بالحاضر أيضًا، إذ استلهمت حركة "حماس" عند تأسيس جناحها العسكري اسمه، لتؤكد امتداد خط المقاومة جيلاً بعد جيل.
القسام: الفقيه الثائر
ولد الشيخ عز الدين القسام في سوريا عام 1882، وتلقى علومه الشرعية في الأزهر الشريف بمصر. عُرف بزهده وتقواه، لكنه لم يكتفِ بالوعظ والإرشاد، بل انخرط في مواجهة الاحتلال الفرنسي في سوريا، قبل أن ينتقل إلى فلسطين ليواصل مسيرته ضد الاحتلال البريطاني ومشاريع الاستيطان الصهيوني.
قاد القسام مجموعة من المقاومين الذين عُرفوا بـ"القساميين"، خاضوا معارك شرسة في أحراش يعبد وجنين، وانتهت باستشهاده مع رفاقه في 20 نوفمبر 1935، ليصبح أيقونة للمقاومة وشعلة ألهمت الثورة الفلسطينية الكبرى (1936–1939).
من الاستشهاد إلى الأيقونة
لم يكن استشهاد القسام نهاية لمسيرته، بل بداية لتحوله إلى رمز يتوارثه الفلسطينيون. اسمه ظل حاضرًا في الأغاني الشعبية، في أدبيات المقاومة، وفي الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني، حتى صار مرادفًا للتضحية والإصرار على الكفاح.
وعندما تأسست حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في ديسمبر 1987، لم يكن اختيار اسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام" لجناحها العسكري محض صدفة، بل إشارة واضحة إلى استمرارية خط المقاومة الممتد منذ الثلاثينيات وحتى الانتفاضة الأولى.
القسام وحماس: الجذور الممتدة
تبنّت "حماس" إرث القسام كجزء من مشروعها المقاوم، فالجناح العسكري للحركة لم يكتفِ بالاسم، بل حاول أن يعكس في عمله نفس الروح القتالية التي جسدها الشيخ القسام ورجاله.
ومنذ انطلاقتها، قدّمت "كتائب القسام" نفسها كامتداد لذلك النضال المبكر، مؤكدة أن الاحتلال، وإن تغيّرت أشكاله وأدواته، إلا أن خط المقاومة يظل ثابتًا. هذا الارتباط الرمزي منح الحركة شرعية تاريخية لدى قطاعات واسعة من الفلسطينيين الذين رأوا فيها بعثًا لروح القسام.
ذكرى متجددة ودلالات سياسية
تحل ذكرى استشهاد القسام في وقت يواصل فيه الفلسطينيون مقاومتهم بأشكال مختلفة. وتحرص "حماس" في كل مناسبة على استحضار القسام بوصفه رمزًا جامعًا، لتأكيد أن خيار المقاومة ليس وليد اللحظة، بل متجذر في تاريخ الشعب الفلسطيني.
فالشيخ القسام لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان فقيهًا جمع بين الدين والجهاد، بين الخطاب الروحي والفعل الميداني. هذه المعادلة ما زالت تشكل أساسًا للفكر المقاوم الذي تتبناه الحركة، في محاولة لربط البعد الديني بالبعد الوطني.
إرث خالد في الوجدان الفلسطيني
ثمانية عقود على استشهاد القسام لم تُضعف حضوره في وجدان الفلسطينيين. فاسم "القسام" بات عنوانًا للعمليات العسكرية، وللإرادة الشعبية في مواجهة الاحتلال.
وحتى الأجيال الجديدة، التي لم تعاصر القسام ولا الثورة الكبرى، تجد في سيرته مصدر إلهام ودليلًا على أن المقاومة مسار طويل تتوارثه الأجيال.