في مشهد مؤسف يعكس الأبعاد المأساوية للصرامة المؤسسية، أقدمت شركة مايكروسوفت على فصل أربعة من موظفيها لأنهم رفضوا السكوت أمام دعم الشركة المزعوم للاحتلال الإسرائيلي من خلال تزويد الذراع الرقمي له بالتكنولوجيا.

هؤلاء الموظفون اختاروا أن يقولوا "لا" للمشاركة في ما اعتبروه تشجيعًا على إبادة شعب تحت الاحتلال، فكان قرار الشركة - بحسبهم - رسالة صادمة: حتى القيم الأخلاقية تتراجع أمام مصالح الكود التقني والنمو التجاري.
 

الاحتجاج داخل قلب مايكروسوفت
نفّذ الموظفون الأربعة، ضمن حملة "No Azure for Apartheid"، sit-in سلمية داخل مكتب رئيس الشركة، براد سميث، وطالبوا بوقف تقديم خدمات Azure للاحتلال.

وردًّا على ذلك، أبلغت مايكروسوفت اثنين منهم، آنا هاتل وريكي فاميلي، عبر بريد صوتي بفصلهما، ثم أُبلغ Nisreen Jaradat وJulius Shan لاحقًا أيضًا، بالتسريح، تحت ذريعة "انتهاك سياسات العمل وإثارة مخاوف أمنية".
 

خلفية الاحتجاجات المتكررة: استقالاتهم ورفض المشاركة
ليست هذه الحادثة الأولى من نوعها. في أبريل الماضي، استقالت المهندسة فانيا أجراوال بشكل درامي، بعدما واجهت قيادات الشركة – بمن فيهم ساتيا ناديلا وبيل غيتس – في مؤتمر احتفالي، وصرّحت بأنها لا يمكن أن تعمل لشركة تستخدم خدماتها في دعم ما اعتبرته “قوائم قتل إلكترونية”. ووصفها أحد المصادر بأن مايكروسوفت "أصبحت مؤسسة تبني الحروب الرقمية لا السلام"

كذلك شاركت Ibtihal Aboussad في احتجاجات حادة خلال احتفال ذكرى الشركة، ما دفعها أيضًا لمغادرة منصبها بعد تدخلاتها ضد دعم الشركة للاحتلال.

هذه الحوادث تشير إلى أزمة ضمير داخل كبرى شركات التكنولوجيا، حيث يجد الموظفون المسلمون - وغيرهم - أنفسهم أمام خيار أخلاقي صعب بين العيش بمبدأ الكلمة أو البقاء في الوظيفة.
 

مايكروسوفت في دائرة الاتهام: هل التقنية تقتل الحقوق؟
التوتر الداخلي بالشركة تتزامن مع تحقيقات صحفية كشفت أن القوات الإسرائيلية استخدمت منصة Azure لتخزين مكالمات فلسطينية من الضفة وغزة، ضمن برنامج مراقبة شامل، زاد من حدة الغضب ضد التواطؤ الرقمي المزعوم.

هذه القضيّة دفعت مايكروسوفت إلى تكليف مكتب محاماة خارجي (Covington & Burling LLP) لإجراء مراجعة قانونية، لكن الفجوة بين خطابها المعلن عن الالتزام بحقوق الإنسان وواقع تصرفاتها على الأرض تتسع.
 

فعاليات الاحتجاج تتصاعد رغم خنق الأجراس
لم تتمحور المظاهرات حول الفصل فقط؛ فقد لجأت مايكروسوفت إلى السلطات الأمنية وحتى مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) للتدخل ومراقبة تحركات الناشطين، ما أدخل المسألة في دائرة أكبر من السلامة الوظيفية إلى الأمن القومي الأميركي.

في المقابل، يستمر الناشطون الحاليون والسابقون في تنظيم مظاهرات واعتصامات داخل وخارج مقرات الشركة، رافعين اعتراضاتهم أمام المسؤولين، في مشهد يشبه حرب ضد السلوك المؤسسي المؤيد للعنف البحت.

وفي النهاية فإن انفصال هؤلاء الموظفين الأربعة، وتقديم آخرين استقالاتهم طواعية، لا يمثل فقط أزمة أخلاقية داخل عمالقة التكنولوجيا، بل إدانة شفوية لاستمرار شركتهم في دعم آلة القمع.
في عالم يُظهِر فيه البرمَجو والأرقام زيفاً إنسانياً، ينادي هؤلاء بصوت خافت: الحرية والمواطنة والضمير قد تُطوّع، لكن لا تُباع.

ومع تصاعد النزاع على شرعية العمل التقني في حروب حقيقية، تبقى رسالة هؤلاء المستقيلين والفُرَض المطرودين: الضمير لا يُكبح برمز شركة، ولا يُنسى بضغط سوق.