تهرّب نتنياهو من أزماته الداخلية.. هل يدفع إسرائيل نحو حرب أهلية؟

دخلت أزمة الحرب في قطاع غزة مرحلة جديدة بعد إعلان حركة حماس موافقتها على مقترح التهدئة الذي طرحته الأطراف الوسيطة، في خطوة عكست رغبة الحركة في إنهاء المعاناة الإنسانية غير المسبوقة التي يعيشها سكان القطاع منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في أكتوبر الماضي.

إلا أن هذه الموافقة، التي اعتبرها مراقبون "فرصة ذهبية" لإنقاذ أرواح المدنيين ووقف نزيف الدم، لم تُقابل بقرار مماثل من حكومة بنيامين نتنياهو، التي تواصل المماطلة والتردد في حسم موقفها، ما أثار تساؤلات حول دوافع هذا التعطيل وأبعاده السياسية والأمنية.
 

موافقة حماس.. رسالة واضحة للعالم
إعلان حماس موافقتها على المقترح لم يكن خطوة سهلة، إذ جاء بعد أسابيع من المفاوضات غير المباشرة التي رعتها قطر ومصر بمشاركة الولايات المتحدة.
الحركة أظهرت مرونة في بعض النقاط التي كانت محل خلاف،مثل آلية إدخال المساعدات الإنسانية وجدولة إطلاق سراح الأسرى، بهدف إنهاء الكارثة الإنسانية التي تعصف بالقطاع.

ووفقاً للمصادر، تضمن المقترح وقفاً لإطلاق النار على مراحل، يتزامن مع إدخال كميات كبيرة من المساعدات الغذائية والطبية وإعادة النازحين إلى مناطقهم، إضافة إلى بحث مستقبل صفقة تبادل الأسرى.
هذه البنود كانت كافية لإقناع حماس بضرورة القبول رغم الخسائر التي تكبدتها الحركة والبنية التحتية للقطاع خلال الأشهر الماضية.

قبول حماس بهذا المقترح حمل رسالةواضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أن الحركة ليست معنية بإطالة أمد الحرب، وأنها مستعدة للتعاون من أجل التهدئة، في الوقت الذي يواجه فيه المدنيون أوضاعاً كارثيةعلى مستوى الغذاء والدواء والمأوى، وسط تحذيرات أممية من مجاعة وشيكة تهدد حياة مئات الآلاف.
 

لماذا يماطل نتنياهو؟ دوافع داخلية وخارجية
في المقابل، لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتهرب من اتخاذ قرار نهائي بشأن المقترح، ما يثير علامات استفهام حول أهدافه الحقيقية، ويرى محللون وخبراء إسرائيليون أن مماطلة نتنياهو في حسم قرار التهدئة ليست مجرد تكتيك تفاوضي، بل انعكاس مباشر لقلقه العميق على مستقبله السياسي.

المحلل السياسي الإسرائيلي بن كاسبيت كتب في صحيفة معاريف أن "نتنياهو يدرك أن أي اتفاق تهدئة سيُعيد إسرائيل إلى لحظة المحاسبة على كارثة 7 أكتوبر، وهي اللحظة التييخشاها أكثر من أي شيء آخر، لأنها قد تنهي حياته السياسية وربما تقوده إلى السجنفي قضايا الفساد التي تلاحقه".

أما آفي يسسخروف، الخبير فيالشؤون الأمنية، فقال إن نتنياهو يفتقد اليوم لحرية القرار، لأن أي خطوة نحو التهدئة ستعني انفجار حكومته اليمينية المتطرفة، وهو ما سيُفقده الحصانة السياسيةالتي يتمتع بها من خلال بقائه في السلطة. وأضاف: "نتنياهو لا يقاتل فقط حماس في غزة، بل يقاتل للبقاء السياسي والشخصي، لذلك كل يوم إضافي في الحرب يعني بالنسبة له يومًا إضافيًا في كرسي الحكم".

من الجانب الأمريكي، يرى دانيال كيرتزر، السفير الأمريكي الأسبق في إسرائيل، أن نتنياهو يستخدم الحرب كأداةلتأجيل نهايته السياسية، مشيرًا إلى أن البيت الأبيض بدأ يدرك أن المماطلة الإسرائيلية ليست لأسباب أمنية بحتة، بل مرتبطة بحسابات داخلية. وأضاف في تصريحلشبكة CNN: "نتنياهو يعلم أن التهدئة ستفتح أبواب المساءلة الشعبية والقضائية، لذلك يفضل إطالة أمد الحرب رغم الكلفة الإنسانية الفادحة".

كما أكد آرون ديفيد ميلر،الباحث في مؤسسة كارنيغي، أن موقف نتنياهو يعكس ذهنية "الهروب إلى الأمام"، قائلاً: "أي اتفاق سيُعيد الجدل حول الإخفاقات الأمنيةوالسياسية في إسرائيل، وسيعيد نتنياهو من وضع القائد في زمن الحرب إلى وضع المتهم في قاعة المحكمة".

هذه التحليلات تتفق في جوهرها على أننتنياهو لا يماطل من أجل مصالح إسرائيل العليا، بل من أجل مصلحته الشخصية وحماية مستقبله السياسي، حتى لو كان الثمن استمرار نزيف الدم في غزة وتدهور مكانة إسرائيلالدولية.
 

معاناة غزة مستمرة والمجتمع الدولي غاضب
بينما يماطل نتنياهو في حسم موقفه، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة أوضاعاً إنسانية هي الأسوأ منذ عقود.
تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية تتحدث عن انهيار شبه كامل للقطاع الصحي، وانتشار الأمراض المعدية في مراكز الإيواء، فضلاً عن انعدام الأمن الغذائي.

المجتمع الدولي بدوره أبدى استياءًمتزايداً من هذه المماطلة، حيث دعت واشنطن عبر تصريحات لوزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى ضرورة قبول وقف إطلاق النار الفوري، مؤكداً أن "الكرة في ملعب إسرائيل". الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حذرا من أن استمرار الحرب سيقود إلى مجاعة كارثية لن يسلم منها أحد.
 

هل يغامر نتنياهو بعلاقاته الخارجية؟
تردد نتنياهو في الاستجابة لمبادرات التهدئة قد يكلف إسرائيل كثيراً على صعيد علاقاتها الدولية.
تقارير إسرائيلية كشفت عن ضغوط أمريكية متزايدة على الحكومة الإسرائيلية، وصلت إلى حد التلويح بوقف بعض شحنات الأسلحة إذا لم يتم إحراز تقدم في ملف التهدئة.
كما أن الرأي العام الغربي بدأ يتغير، إذ تتصاعد المطالبات في الكونغرس والبرلمان الأوروبي بوقف الدعم غيرالمشروط لإسرائيل.
 

حسابات سياسية على جثث المدنيين
في ضوء ما سبق، يبدو أن نتنياهو يضع مصلحته السياسية فوق أي اعتبار إنساني أو وطني، مفضلاً استمرار الحرب والمماطلة فياتخاذ قرار حاسم، رغم موافقة حماس التي فتحت باب الأمل لوقف نزيف الدم.
استمرار هذا التعنت لا يعني سوى المزيد من الدمار في غزة، ومزيد من العزلة الدوليةلإسرائيل، فيما يبقى المدنيون الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء ضحايا لحسابات سياسية ضيقة لا تعرف سوى منطق القوة والبقاء في الحكم.

https://draft.blogger.com/u/2/blog/post/edit/5282029797488547884/989393053481659573?hl=ar