شهدت العاصمة الهولندية أمستردام هذا الأسبوع وقفة احتجاجية نظمها نشطاء مصريون وعرب، لإحياء ذكرى مذبحة رابعة العدوية التي وقعت في القاهرة في 14 أغسطس 2013، حينما ارتكبت قوات الأمن والجيش واحدة من أبشع الجرائم بحق المتظاهرين السلميين. رفع المشاركون في الوقفة صور الشهداء ولافتات تندد بالإفلات من العقاب، وطالبوا المجتمع الدولي بضرورة التحرك لمحاسبة المسؤولين عن الجريمة، وعلى رأسهم قادة الانقلاب العسكري في مصر.
الوقفة لم تكن حدثاً منفرداً، بل جاءت ضمن سلسلة فعاليات نظمتها الجاليات المصرية والعربية والإسلامية في عدد من العواصم الأوروبية هذا الشهر، في إطار حملة متجددة لإبقاء ملف رابعة حيّاً، وللتأكيد أن دماء الضحايا لن تُنسى، وأن مطلب القصاص من القتلة سيظل قائماً مهما طال الزمن.
وقفة أمستردام: رسائل الغضب والوفاء
في ساحة قريبة من مركز المدينة بأمستردام، تجمع العشرات من النشطاء والحقوقيين رافعين صور ضحايا رابعة، حاملين لافتات كتب عليها "لن ننسى"، و"القصاص قادم"، و"رابعة جرح الإنسانية". ألقى ممثلون عن منظمات حقوقية كلمات أكدت أن ما جرى في مصر عام 2013 يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية وفق القانون الدولي، وأن مرور 12 عاماً دون محاسبة لا يعني سقوط الجريمة بالتقادم.
المشاركون هتفوا ضد "الانقلاب العسكري" في مصر، ونددوا باستمرار القمع والاعتقالات، مؤكدين أن الطريق إلى الحرية يبدأ من محاسبة من تورطوا في إراقة الدماء. كما شددوا على أن إحياء ذكرى رابعة ليس مجرد شأن مصري داخلي، بل قضية إنسانية عالمية تعكس حجم التواطؤ الدولي مع أنظمة الاستبداد في المنطقة.
احتجاجات وانتفاضات بالعديد من العواصم الغربية
لم تكن وقفة أمستردام الوحيدة، بل تزامنت مع فعاليات مشابهة في عدة مدن:
لندن:
شهدت العاصمة البريطانية وقفة أمام مقر الحكومة في "داوننغ ستريت"، رفع فيها المحتجون صور الشهداء، ورددوا شعارات تطالب بمحاسبة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وقيادات الجيش والشرطة. كما دعا المشاركون البرلمان البريطاني إلى إدراج ملف رابعة ضمن نقاشاته حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر.
برلين:
في ألمانيا، نُظمت وقفة أمام بوابة براندنبورغ، شارك فيها نشطاء ألمان ومتضامنون دوليون، حيث طالبوا الحكومة الألمانية بوقف التعاون الأمني والعسكري مع القاهرة.
إسطنبول:
أقيم مهرجان خطابي كبير حضره سياسيون وحقوقيون عرب وأتراك، أكدوا فيه أن رابعة ستظل "رمزاً للصمود ضد الاستبداد".جنيف: على هامش فعاليات مجلس حقوق الإنسان، وزّعت منظمات مصرية تقارير موثقة عن ضحايا رابعة، في محاولة لتدويل الملف وإبقائه ضمن أجندة المؤسسات الدولية.
هذه الفعاليات المتعددة تعكس تجدد الزخم الشعبي والحقوقي حول ملف رابعة، بالتزامن مع الذكرى السنوية، ومع تصاعد الانتقادات الدولية لانتهاكات النظام المصري.
مذبحة رابعة: جرح لم يندمل
تعود الجريمة إلى 14 أغسطس 2013، حين اقتحمت قوات الأمن والجيش المصرية اعتصام ميدان رابعة العدوية في القاهرة، الذي كان يضم عشرات الآلاف من الرافضين للانقلاب العسكري.
العملية أسفرت - وفق منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش – عن مقتل ما لا يقل عن 817 شخصاً في يوم واحد، بينهم نساء وأطفال، فضلاً عن آلاف المصابين والمعتقلين.
هيومن رايتس ووتش وصفت ما جرى بأنه "أكبر عملية قتل جماعي لمتظاهرين في يوم واحد في التاريخ الحديث". ورغم مرور أكثر من عقد، لم يُفتح أي تحقيق مستقل، بل جرى تبييض الجريمة عبر ترويج رواية رسمية تزعم أنها "عملية فض بالقوة ضد اعتصام مسلح".
مطلب القصاص: جوهر الاحتجاجات
المتظاهرون هذا الشهر أجمعوا على مطلب واحد: القصاص من القتلة. فهم يرون أن العدالة لن تتحقق إلا بمحاكمة القادة الذين أصدروا الأوامر ونفذوا المذبحة، سواء كانوا من قيادات الجيش أو الشرطة أو المسؤولين السياسيين الذين وفروا الغطاء القانوني.
الرسالة الأساسية: لا استقرار ولا مصالحة حقيقية دون عدالة. وأن دماء رابعة ستظل تطارد النظام المصري ما لم يُفتح الملف بشفافية كاملة أمام القضاء الدولي.
غياب العدالة الدولية
رغم خطورة الجريمة، إلا أن المجتمع الدولي اكتفى ببيانات "القلق"، ولم يتخذ خطوات ملموسة لمحاسبة المسؤولين. هذا الصمت الدول يشجع السلطات المصرية على المضي قدماً في سياسات القمع والاعتقالات، حتى صار ملف حقوق الإنسان في مصر من أكثر الملفات سوءاً في المنطقة.
لكن الوقفات الأخيرة تحمل رسالة معاكسة: أن ذاكرة الشعوب لا تموت، وأن الضغط الشعبي والحقوقي قادر على إبقاء الملف حيّاً رغم محاولات طمسه.
رمزية رابعة المتجددة
أصبح "شعار رابعة" – اليد المرفوعة بأربع أصابع – رمزاً عالمياً للمقاومة ضد الاستبداد. ورغم محاولات السلطات المصرية تجريم استخدامه، إلا أنه لا يزال يُرفع في كل وقفة احتجاجية، كتأكيد على أن رابعة تحولت من حدث محلي إلى أيقونة كونية تعبر عن الظلم الذي يتجاوز حدود مصر.
وفي النهاية فإن وقفة أمستردام، وسائر الفعاليات التي شهدتها العواصم الأوروبية هذا الشهر، تعيد التأكيد على أن جريمة رابعة لم تُمحَ من ذاكرة الشعوب، وأن مطلب القصاص من الانقلابيين لا يسقط بالتقادم. وبينما تستمر السلطات المصرية في سياسة الإفلات من العقاب، يواصل النشطاء في الخارج رفع صوت الضحايا، مؤكدين أن دماء المئات الذين سقطوا في الميدان ستظل لعنة تطارد كل من تورط في إراقتها.
لقد أراد الانقلاب أن يجعل من رابعة ذكرى صامتة، لكن الواقع أثبت العكس: رابعة تحيا في كل وقفة، في كل هتاف، وفي كل شعار يُرفع عالياً ليذكر العالم أن العدالة لم تتحقق بعد.
https://pbs.twimg.com/media/GyeFDgRWgAAttKI?format=jpg&name=large