مصطفى عبد السلام

رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"

 

أما وأن الفأس وقعت في الرأس، كما يقول المثل المصري الشعبي، الذي يعني أن الأمر وصل إلى نهايته، ووُقِّعَت اتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، كما أعلن بنيامين نتنياهو أول من أمس، فليقل لنا صانع القرار في مصر على أي أساس وُقِّعَت الصفقة المرفوضة شعبيًا بعد حديث مصري وإسرائيلي رسمي وإعلامي مطول عن وجود خلافات جذرية تحول دون إتمامها، وكيف ضمنت الاتفاقية المبرمة بين القاهرة وتل أبيب "مصالح إسرائيل الأمنية والحيوية العليا" وفق تأكيدات نتنياهو عقب إعلانه التصديق على صفقة الغاز التي قال إنها تعد "الأكبر في تاريخ إسرائيل"، حيث تبلغ قيمتها 35 مليار دولار وتضمن لدولة الاحتلال تدفق 18 مليار دولار على خزانتها الخاوية حتى عام 2040.

 

كلام نتنياهو عن الضمانات ومراعاة الاتفاقية مصالح إسرائيل العليا وتعزيز الصفقة مكانة دولة الاحتلال الإقليمية يفتح الباب أمام احتمالات وسيناريوهات وتأويلات وأسئلة غامضة قد يطرحها البعض ولا يجد لها إجابة في ظل الغموض الشديد المفروض على تلك الصفقة الضخمة، منها مثلًا ما يتعلق بكيفية تحقيق الاتفاقية تلك المصالح، وهل يكون ذلك على حساب القاهرة، ومدى الربط بين استمرار إسرائيل في ضخ الغاز لمصر مستقبلًا، وحجم الوجود العسكري المصري في سيناء والتزام بنود اتفاقية السلام والتنسيق الأمني وغيرها من الملفات بالغة الحساسية للأمن القومي المصري.

 

وإذا كانت إسرائيل قد ضمنت مصالحها الأمنية والحيوية كاملة، كما قال نتنياهو، فهل ضمنت مصر في المقابل مصالحها المماثلة، بما فيها أمنها القومي وما يتفرع عنه من أمن الطاقة والأمن الاقتصادي وانسياب الغاز الإسرائيلي بلا معوقات أو تلكؤ إسرائيل بالقوة القاهرة في المستقبل؟ هل ضمنت القاهرة عدم استثمار دولة الاحتلال الصفقة سياسيًا وأمنيًا، واللجوء إلى سياسة قطع تدفق الغاز مستقبلًا في حال حدوث خلاف سياسي أو أمني مع تل أبيب، أو ولادة حكومة يمين متطرف كما هو حال حكومة نتنياهو حاليًا، وبالتالي التسبب في نشر العتمة والظلام في شوارع مصر بوقف تدفق الغاز لشركات توليد الكهرباء المصرية، أو التسبب في شلل الإنتاج في مصانع الحديد والأسمدة والإسمنت الكبرى؟ وماذا بشأن ربط مشروعات الطاقة ومصير الصناعات المصرية بدولة الاحتلال، التي توظف ملف الغاز لممارسة ضغوط سياسية على القاهرة من حين لآخر كما جرى خلال الحرب على غزة؟

 

وإذا كان المثل القديم يقول: "إذا وقعت الفأس في الرأس جاء زمن الحيرة والإفلاس وانحباس الأنفاس"، فليقل لنا صانع القرار المصري أيضًا، هل بإتمام الصفقة يكون الحديث عن بحث الحكومة المصرية عن بدائل للغاز الإسرائيلي وسياسة تنويع الشركاء هو "طق حنك" وذر للرماد في العيون وتهدئة الرأي العام الغاضب وتنويمه إلى حين تمرير الصفقة، وأن السلطات في مصر كانت تصر على الصفقة رغم مخاطرها الشديدة على الأمن القومي والاقتصادي؟

 

ومع توقيع صفقة توريد الغاز الإسرائيلي لمصر، ما تفاصيلها، هل الحكومة المصرية طرف أصيل بها كما جرى في اتفاقية عام 2005، هل ستُعرَض تفاصيل الاتفاقية على البرلمان، أو أي جهة مسؤولة في الدولة، سواء الاتفاقية الموقعة في عام 2019، التي حُدِّثَت عدة مرات، أم سيجري التهرب كالعادة لعدم اطلاع الرأي العام على التفاصيل، ومنها المخاطر المحدقة بعملية الاستيراد، ومدى قدرة الخزانة المصرية على سداد كل تلك المليارات، وأسعار وشروط توريد الغاز الاسرائيلي، التي تتلاعب تل أبيب بها من وقت إلى آخر سعيًا للحصول على مكاسب إضافية من القاهرة.

 

للأسف، لا إجابات عن تلك الأسئلة وغيرها، فلم يصدر إعلان رسمي في مصر بشأن تفاصيل صفقة استيراد مصر الغاز الإسرائيلي، والإعلام الرسمي المصري التزم الصمت تمامًا تجاه الصفقة المريبة باستثناء نقل خبر مختصر على لسان نتنياهو، وهناك غموض شديد حول بنود الاتفاقية والتعديلات الأخيرة التي أُدخِلَت من قبل الحكومة المتطرفة في تل أبيب.

 

وبغض النظر عن تلك الملاحظات وغيرها، فإنّ إعلان الصفقة في الوقت الحالي يعطي رسائل بالغة الخطوة، منها مثلًا أنّ نتنياهو نجح في استثمار صفقة الغاز مع مصر وتحويلها إلى إنجاز سياسي لحكومته المنبوذة عالميًا وعربيًا، وإخراج لسانه للجميع، والتشديد على أنه غير معزول في المنطقة، وقادر على إبرام الصفقات الكبرى والاتفاقيات طويلة الأجل مع الدول العربية رغم حرب الإبادة الجماعية على غزة والجرائم التي ارتكبها بحق أهالي القطاع والضفة الغربية وغيرهم من شعوب المنطقة طوال عامين. وقادر أيضًا على فرض شروطه رغم الحروب الإقليمية التي تسبب في اندلاعها منذ أكتوبر 2023 والانتقادات الدولية التي تعرضت لها حكومته المتطرفة.