كشف التقرير السنوي الصادر عن الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان ( (UICC، عن ارتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بالسرطان بين الشباب في مصر، حيث أصبحت الفئة العمرية بين20 و39 عامًا تمثل ما يقرب من 18 % من إجمالي حالات السرطان المشخّصة عام 2024، مقارنة بـ12% فقط قبل خمس سنوات، وفقًا لبيانات المعهد القومي للأورام.
وصرّح د. هشام الغزالي، أستاذ علاج الأورام بجامعة عين شمس، في مقابلة متلفزة في يناير الماضي قائلاً: "نشهد زيادة غير مسبوقة في عدد حالات السرطان بين الشباب، والسبب لا يقتصر على عوامل وراثية بل يمتد إلى التلوث البيئي وسوء التغذية وضعف برامج الكشف المبكر."
حيث تشهد مصر في السنوات الأخيرة ارتفاعًا حادًا في معدلات الإصابة بالسرطان، حيث كشفت الأرقام الرسمية عن ظهور 135,000 إصابة جديدة سنويًا بحسب الدكتور محمد عبد المعطي، عميد معهد الأورام، لتتجاوز بذلك أعداد المرضى ربع مليون مصاب بالسرطان في البلاد سنويًا.
وتشير تقارير وزارة الصحة أن نسبة الإصابة بلغت 166.6 شخصًا في كل 100,000 نسمة، مع توقعات مخيفة بأن يصل عدد المصابين إلى 331,000 بحلول عام 2050 إذا استمر الوضع على هذا المنوال، أي بمعدل ثلاثة أضعاف المعدل الحالي.
هذه القفزة الهائلة لا تعكس فقط أزمة صحية بل تشير أيضًا إلى خلل هيكلي في منظومة الرعاية والوقاية في ظل تجاهل رسمي لمنشأ وسلوكيات المرض ومكافحته بشكل فعال.
وقد اعترف رئيس حكومة الانقلاب العسكري مصطفى مدبولي في منتصف عام 2024 بوجود نقص بلغ 580 صنفًا دوائيًا، من بينها أدوية الأورام، وأكدت تصريحات خبراء القطاع الدوائي أن أدوية الأورام ما زالت ضمن قائمة النواقص الدوائية رغم توفر العلاجات الأقل تكلفة، في حين يتزايد عدد حالات السرطان باضطراد، تتراجع فرص حصول المرضى على الأدوية الفعالة والمكلفة، خاصة العلاجات الكيميائية الموجهة وأدوية الأورام الحديثة.
دواء غير متوفر.. ومرضى بلا أمل
مع ارتفاع أعداد المصابين، تتفاقم أزمة نقص أدوية السرطان المكلفة في السوق المصرية، خاصة أدوية العلاج الموجه والمناعي.
أكدت رابطة مرضى السرطان في مصر أن أكثر من 30 % من المرضى توقفوا عن العلاج خلال الأشهر الستة الأخيرة بسبب عدم توافر الأدوية أو ارتفاع أسعارها الجنونية.
وصرّحت د. منى ممدوح، طبيبة في أحد مستشفيات التأمين الصحي، لموقع "مدى مصر": "بعض الأدوية مثل «هيرسبتين» و«كيترودا» أصبح سعرها يتجاوز دخل الأسرة لعدة أشهر، المريض قد يُجبر على بيع ممتلكاته أو التوقف عن العلاج، وفي كثير من الحالات يموت في صمت".
في حين أعلنت وزارة الصحة في مارس 2025 عن مبادرة لتوفير أدوية السرطان، إلا أن تقارير المركز المصري للحق في الدواء كشفت أن 76 % من الأدوية المستهدفة لم تصل للمرضى بالفعل، بسبب غياب التخطيط والفساد في التوزيع.
التقشف الحكومي..
رغم تزايد الحالات، كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن الإنفاق الحكومي على الصحة لم يتجاوز 1.5 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية (5%)، في مقابل ذلك، ارتفعت مخصصات المؤسسات الأمنية والجيش في موازنة 2024/2025 بنسبة 22 %، وفقًا لما نشرته جريدة الشروق.
وفي تصريح سابق، قال الخبير الاقتصادي د. محمد كمال عقدة: "نحن في دولة تنفق على بناء القصور أكثر مما تنفق على المستشفيات.. والنتيجة شباب يموتون لأن الدواء غير متوفر."
البيئة الملوثة.. سبب خفي وراء السرطان
أشارت دراسة أجرتها كلية الطب بجامعة الإسكندرية في مايو 2025 إلى أن المناطق الصناعية الملوثة مثل العاشر من رمضان وحلوان تسجل نسبًا أعلى في معدلات الإصابة بسرطانات الرئة والمثانة.
وفي تصريح للدكتور عادل إبراهيم، خبير البيئة والصحة العامة: "تلوث الهواء والمياه بات عنصرًا أساسيًا في انتشار الأمراض السرطانية، والدولة تتجاهل تطبيق القوانين البيئية على المصانع العسكرية والمدنية."
ويضاف إلى ذلك اعتماد المصريين على مواد غذائية منخفضة الجودة أو تحتوي على مواد حافظة مسرطنة، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.
هجرة الأطباء..
وفقًا لنقابة الأطباء في يونيو 2025 هاجر أكثر من 17 ألف طبيب مصري خلال السنوات الثلاث الأخيرة، هربًا من تدني الرواتب وسوء بيئة العمل، ما أدى إلى عجز حاد في أطباء الأورام بالمستشفيات الحكومية، حيث يصل معدل الطبيب الواحد إلى أكثر من 300 مريض شهريًا في بعض المناطق، مما يؤثر على جودة التشخيص وسرعة بدء العلاج.
وفي تصريح صادم أدلى به د. حسين خيري نقيب الأطباء السابق، قال: "الحكومة تتحدث عن تحسين قطاع الصحة، لكنها لا توفر الحد الأدنى لكرامة الطبيب أو المريض."
صمت رسمي..
رغم فداحة الأرقام والمأساة الإنسانية، تجاهلت حكومة الانقلاب المصرية التقارير الدولية واكتفت ببيان مقتضب من وزارة الصحة، وصفت فيه الوضع بـ"المستقر"، وهو ما وصفه خبراء الصحة بأنه "إنكار رسمي لأزمة وطنية".
من جانبه، انتقد النائب السابق أحمد الطنطاوي، عبر صفحته على فيسبوك، قائلاً: "لا توجد إرادة سياسية لمكافحة السرطان، النظام مشغول بتثبيت حكمه أكثر من إنقاذ حياة المواطنين."
ما تشهده مصر من تدهور في مؤشرات الإصابة بالسرطان وتراجع توافر العلاجات الحديثة، خاصة للفئات الأقل دخلًا، هو نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية واجتماعية فشلت في وضع صحة الإنسان على رأس الأولويات.