في فضيحة أخلاقية وإنسانية واقتصادية، كشفت تقارير رسمية وتجارية عن تصدّر مصر قائمة الدول المصدّرة للمنتجات الزراعية والغذائية إلى إسرائيل، وعلى رأسها الطماطم، البطاطس، البرتقال، الفراولة، والدقيق. المفارقة الصادمة أن ذلك يحدث في ظل ارتفاع أسعار الغذاء داخل مصر إلى مستويات تاريخية، وتفاقم الفقر، وانهيار القدرة الشرائية لغالبية المواطنين، وانعدام الأمن الغذائي في شرائح واسعة من الشعب.
الأخطر من ذلك، أن هذه الصادرات لا تصل فقط إلى شعب الاحتلال، بل تُستخدم أيضًا لدعم الجبهة الداخلية الإسرائيلية في وقت الحرب، بينما يُمنع الغذاء والدواء عن أقرب شعب شقيق: أهل غزة المحاصرين على يد الاحتلال بمشاركة فعلية أو صمتٍ رسمي من القاهرة.
فهل هناك خيانة أوضح من ذلك؟ هل بات السيسي يطعم المحتل ويجوّع الجار؟ هل وصلت الدولة المصرية إلى مرحلة التماهي التام مع الاحتلال الإسرائيلي؟ وهل بقي للشعارات الوطنية والقومية أي قيمة في ظل هذه الحقائق العارية؟
الصادرات المصرية لإسرائيل – حقائق وأرقام صادمة
في تطوّر لا يُصدّق، أكّدت بيانات من الأمم المتحدة أن صادرات مصر إلى إسرائيل بلغت نحو 284.22 مليون دولار خلال عام 2024ومن هذا المبلغ، بلغت صادرات الخضر والفواكه والحبوب إلى إسرائيل فقط حوالي 7.05 مليون دولار. قد لا تبدو هذه الأرقام ضخمة نسبيًا في إطار التجارة الكلية، لكنها كافية لتسليط الضوء على ازدواجية أخلاقية وسياسية صارخة.
صادرات مصر تغرق إسرائيل بفواكهها وخضرواتها ودقيق قمحها – بينما يرتفع الجوع في الداخل، ويُمنع عن غزة الغذاء والدواء. هذه ليست مجرد سياسات اقتصادية، بل فضيحة وطنية وإنسانية. فكيف يُعوّل النظام على "السيادة الوطنية"، هو الذي يغلق معبر رفح ويُحكم الحصار على قطاع يفتك فيه المرض والجوع؟
أرقام لا تُبررها الظروف
صُدرت خضر وفواكه وحبوب بقيمة 7.05 مليون دولار لإسرائيل في 2024.
إجمالي الصادرات المصرية لإسرائيل وصل إلى 284.22 مليون دولار عام 2024 .
النظام يدعي أن تلك تجارة "ضرورية للسيطرة على السوق"، لكن هل يصح أن يكون المحتل أول من يستفيد من ثمار الوطن؟
وفقًا لبيانات رسمية من دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، احتلت مصر موقعًا متقدمًا في صادرات الخضروات والفواكه لإسرائيل خلال العام الأخير، خصوصًا بعد اندلاع الحرب على غزة.
من أبرز السلع التي صدّرتها مصر:
البطاطس والطماطم والبصل والثوم
الفراولة والبرتقال والليمون
الدقيق ومشتقات القمح
أعلاف حيوانية ومواد غذائية أولية
وبحسب تقارير تجارية، فإن هذه الصادرات تأتي عبر اتفاقيات سابقة واتفاقيات جديدة أُبرمت في عزّ الحرب، رغم ما تعانيه السوق المحلية المصرية من نقص في ذات السلع، وارتفاع أسعارها أضعافًا مضاعفة خلال الشهور الأخيرة.
الأسعار في الداخل... نار تحرق الفقراء
بينما تتدفق البطاطس إلى الموانئ الإسرائيلية، يقف المواطن المصري في طوابير التموين، ليجد أمامه:
كيلو البطاطس بـ20-25 جنيهًا
الطماطم بـ18 جنيهًا
البيض بـ175 جنيهًا للطبق
كيلو الأرز بـ35-40 جنيهًا
السكر تجاوز 50 جنيهًا في السوق الحرة
وبحسب تقرير لجهاز التعبئة العامة والإحصاء، فإن أكثر من 60% من دخل الأسر المصرية يُنفق على الغذاء فقط. أما الفقراء في الصعيد والدلتا والمناطق العشوائية، فقد صاروا يعتمدون على الخبز المدعوم فقط، وغالبًا ما لا يجدونه أيضًا، بسبب نقص الدقيق.
كل هذا يحدث بينما الحكومة تصدّر الغذاء لدولة تحتل شعبًا عربيًا وتقتل أطفاله أمام الشاشات!
أين السيادة؟ أين الكرامة؟
يتغنّى الإعلام الرسمي المصري ليل نهار بـ"السيادة الوطنية"، و"كرامة الدولة"، و"دور مصر الريادي في المنطقة". لكن الحقيقة أن:
مصر تُغلق معبر رفح في وجه المرضى والجوعى من غزة.
تفرض قيودًا مشددة على إدخال الدواء والغذاء للقطاع.
وتفتح موانئها لتُغذّي دولة الاحتلال بما يعزز قدرتها على الاستمرار في عدوانها.
فأي سيادة هذه؟ هل السيادة تُقاس بعدد القصور الرئاسية أم بعدد الكيلوجرامات المُرسلة لإسرائيل؟
تواطؤ أم خضوع؟
لا يمكن تفسير هذه السياسات إلا ضمن أحد احتمالين:
تواطؤ مباشر: حيث تعتبر القيادة المصرية أنها في تحالف فعلي مع الاحتلال الإسرائيلي ضد غزة، ربما بدوافع سياسية أو أيديولوجية، بحكم عدائها المزمن للمقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس.
خضوع واستسلام: حيث ترضخ مصر لضغوط أمريكية وإسرائيلية، وتخشى العقوبات أو الغضب الدولي، فترتمي في أحضان التطبيع الاقتصادي وتغضّ الطرف عن حصار غزة.
وفي الحالتين، الشعب المصري هو الخاسر، والشعب الفلسطيني هو الضحية.
قطاع غزة يُحاصر من الشرق... من مصر!
الحقيقة التي يهرب منها النظام المصري، أن غزة لا تُحاصر فقط من إسرائيل، بل أيضًا من مصر.
معبر رفح شبه مغلق أو يعمل بآلية مذلة.
قوافل الإغاثة يُمنع دخولها، أو يُشترط تفتيشها والتصريح لها.
السلطات المصرية تبني جدارًا فولاذيًا على الحدود، وتمنع حتى الأنفاق التي كانت تُستخدم لإدخال الغذاء.
بل إن مئات الأطفال الجرحى يُمنعون من العبور إلى المستشفيات المصرية، في تجاهل تام لكل المبادئ الإنسانية والدينية والعربية.
فكيف يُمكن لنظام يدّعي "الحياد" أو "الوساطة" أن يمنع عن غزة الطعام، ثم يُرسل ذات الطعام إلى الاحتلال؟
الإعلام المصري – صوت التبرير والتزييف
لم يتوقف الإعلام الرسمي عن تمجيد "الدور المصري التاريخي" في دعم غزة. لكن لا أحد من المذيعين المليارديريين تحدّث عن:
ارتفاع الأسعار في الأسواق.
تصدير الغذاء لإسرائيل.
الجوع في غزة.
أو حتى، ببساطة، أخلاقية ما يجري.
بل على العكس، راحوا يروجون بأن مصر "تُنسق مع جميع الأطراف"، وكأن الغذاء يُرسل عبر طائرات ورقية لا عبر الموانئ الرسمية.
وهكذا، تتحوّل الكارثة إلى مهزلة، ويصبح الشعب المصري ضحية الجوع والكذب معًا.
من يملك القرار؟ ليس الشعب
لا يمكن للشعب المصري، الذي يُسحق كل يوم بارتفاع الأسعار وانهيار الجنيه، أن يكون موافقًا على إطعام الاحتلال.
لكن في مصر "السيسي"، لا صوت فوق صوت المؤسسة الأمنية، ولا قرار يخرج من دائرة الحكم العسكري.
الصادرات تُمرّر بقرارات فوقية، والحدود تُغلق بقرارات سيادية، والغذاء يُباع لمن يدفع أكثر، حتى لو كان العدو.
ثامنًا: ازدواجية أخلاقية فاضحة
في كل كتب التاريخ، كانت الدول تُحاكم رموزها إذا ثبت تواطؤهم مع العدو في زمن الحرب.
أما في مصر الآن، فإن:
العدو الإسرائيلي يُطعم من مزارع مصر.
والشقيق الفلسطيني يُترَك ليموت جوعًا ومرضًا.
والمواطن المصري يُجلد كل يوم بغلاء الأسعار.
هذه ليست خيانة فقط، بل انقلاب كامل على كل القيم الوطنية والعروبية والإنسانية.
إلى أين يقودنا هذا النظام؟
هل بقي من شك في أن هذا النظام لا يمثل مصالح المصريين ولا كرامتهم ولا مبادئهم؟
هل يُعقل أن تحوّلت مصر – أم الدنيا – إلى مزرعة تُدار بالأوامر الأجنبية، وتُستغل في دعم الاحتلال؟
هل نرضى بأن تكون ثمار أرضنا في بطون الغزاة، بينما ينام أطفالنا بلا عشاء؟
هل نقبل أن تمتلئ أسواق تل أبيب بالفواكه المصرية، بينما يتسوّل المواطن المصري كيلو سكر؟
لا تطبيع على حساب الجوع
ما يجري ليس سياسة خارجية، بل فضيحة داخلية.
لا يجوز لمصر – بكل ما تمثّله من عمق حضاري وقيمي – أن تكون أداة في يد المحتل، أو خنجرًا في ظهر غزة.
ولا يجوز لحكومة أن تُجوّع شعبها، ثم تُبرم صفقات لتغذية المحتلين، ثم تضحك على الجماهير بأغنية وطنية أو برنامج حواري.
في النهاية، الحق واضح.
وكل من يزرع في الأرض، يعرف لمن يجب أن تذهب الثمار.
"غزة أولى بالبطاطس من تل أبيب، ومصر أولى بالكرامة من الصفقات المشبوهة."