في تطور مقلق يكشف حجم الانتهاكات المستمرة داخل سجون النظام المصري، أكدت مصادر حقوقية موثوقة أن جهاز الأمن الوطني هدد عددًا من قيادات جماعة الإخوان المسلمين المضربين عن الطعام في مجمع سجون بدر باعتقال أفراد من أسرهم، في محاولة لإجبارهم على إنهاء الإضراب الذي بدأ مطلع يوليو 2025.

التهديدات شملت شخصيات بارزة مثل الدكتور محمد البلتاجي، والدكتور أسامة ياسين، والقياديين عبد الرحمن البر، ومحمد وهدان، وفقًا لمصادر داخلية في مراكز توثيق الانتهاكات.

 

سجون بدر: مقابر للأحياء

يشكل سجن بدر، الذي افتتح عام 2022 كبديل لسجن العقرب سيئ السمعة، وجهًا جديدًا لسياسات "الردع الناعم"، حيث تُمارس فيه أشكال متطورة من القمع.

ورغم أن النظام سوقه على أنه "نموذج إصلاحي حديث"، إلا أن تقارير المنظمات الحقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش والشبكة المصرية لحقوق الإنسان، كشفت العكس.

في تقريرها الصادر في مارس 2024، وصفت الشبكة المصرية سجن بدر بـ"المقبرة المغلقة"، مشيرة إلى استخدام الحبس الانفرادي التعسفي، منع الزيارات، والحرمان من العلاج والدواء كأدوات لتعذيب المعتقلين سياسيًا، لا سيما من التيارات الإسلامية.

بدأ الإضراب عن الطعام يوم 1 يوليو 2025، بمشاركة 18 قياديًا بارزًا من جماعة الإخوان المسلمين، معظمهم محتجزون منذ أكثر من 10 سنوات دون محاكمات عادلة. وعلى رأسهم:

  • الدكتور محمد البلتاجي نائب سابق بمجلس الشعب
  • الدكتور عبد الرحمن البر عضو مكتب الإرشاد
  • أسامة ياسين وزير الشباب السابق
  • محمد وهدان أستاذ جامعي
  • جهاد الحداد متحدث إعلامي للجماعة

هذا الإضراب جاء كرد فعل مباشر على منع الزيارات لمدة تزيد عن عامين، وحرمان المعتقلين من التريض والعلاج، وسط ظروف احتجاز وصفها أحد الحقوقيين بأنها "أشد قسوة من جوانتانامو".

 

مطالب المضربين: حقوق أساسية لا أكثر

تتلخص مطالب المعتقلين في الآتي:

  1. استئناف الزيارات العائلية المنتظمة، الممنوعة منذ مارس 2022.
  2. السماح بإدخال الأدوية والطعام الخارجي.
  3. توفير الرعاية الطبية المتخصصة لكبار السن والمرضى، مثل البلتاجي الذي يعاني من ضعف حاد في السمع وفقدان الوزن.
  4. وقف الحبس الانفرادي المطول الذي وصل في حالات إلى أكثر من 500 يوم متتالية.
  5. السماح بالتريّض اليومي ومتابعة أخبار العالم الخارجي.

هذه المطالب، بحسب البيان الصادر من هيئة الدفاع عن المعتقلين، "لا تتجاوز الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية المكفولة في الدستور والقوانين المحلية والدولية".

 

تهديدات الأمن الوطني..

أكدت عائلات بعض المضربين، عبر منصات إعلامية معارضة مثل "مكملين" و"وطن"، تلقيها مكالمات تهديدية من عناصر أمنية تطالبهم بضغط على ذويهم لوقف الإضراب.

بعض التهديدات وصلت إلى درجة التلويح بـ"إعادة اعتقال الأبناء"، أو "حبس الزوجات بتهم دعم الإرهاب"، في تكرار لما كان يُمارس إبان حملة القمع بعد انقلاب 3 يوليو 2013.

المحامي الحقوقي خالد علي وصف هذه التهديدات بأنها "امتداد لنهج السلطة القائم على تجريم التضامن العائلي، واستخدام الأسرة كوسيلة ابتزاز سياسي"، مؤكدًا أن مثل هذه الممارسات "ليست فقط انتهاكًا للدستور، بل جريمة ضد الإنسانية".

كالعادة، لم يصدر أي تعليق رسمي من وزارة الداخلية أو الهيئة العامة للاستعلامات، كما امتنعت وسائل الإعلام المحلية الموالية للنظام، مثل "اليوم السابع" و"صدى البلد"، عن تغطية الخبر، في حين حظيت القضية بتغطية واسعة في الصحف الدولية، منها تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية في 17 يوليو 2025، سلطت فيه الضوء على "القمع الممنهج للمعتقلين السياسيين في مصر الجديدة".

في المقابل، برر الإعلامي الموالي للنظام أحمد موسى، في برنامجه، الإضراب بأنه "حيلة إخوانية لكسب تعاطف المجتمع الدولي"، وهو ما ردت عليه منظمات مثل "كوميتي فور جستس" ببيان أكدت فيه "صحة مطالب المعتقلين"، و"توثيق الانتهاكات بالصوت والصورة".

 

هذا ما يحدث داخل سجون السيسي

في مايو 2025، كشفت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" عن 127 حالة وفاة داخل أماكن الاحتجاز خلال عام واحد فقط، أغلبها بسبب الإهمال الطبي المتعمد.

كما أصدرت "منظمة العفو الدولية" بيانًا في يونيو 2025 حذرت فيه من "تدهور الحالة الصحية لعدد من السجناء السياسيين في سجن بدر"، داعية إلى "تشكيل لجنة دولية لزيارة السجون المصرية".

الحقوقي حسام بهجت قال في تصريح لقناة "الشرق" إن "السيسي بنى نموذجًا جديدًا للاستبداد، قائم على قانونية الانتهاك، وشرعنة الإخفاء القسري"، مضيفًا أن "ما يحدث في بدر هو تجسيد للبطش المدجّن بالقانون".

في ظل غياب القضاء المستقل، وانهيار منظومة العدالة، لم يبق أمام المعتقلين السياسيين في سجون السيسي سوى أجسادهم الهزيلة وأمعاؤهم الخاوية كسلاح رمزي للمقاومة.