في أوائل أغسطس 2025، تصدرت أنباء توقيف الطالب المصري مروان محمد مجدي عثمان في ماليزيا عناوين الصحف والمنصات الحقوقية العربية والدولية.

إذ جاء توقيفه بطلب مباشر من السلطات المصرية على خلفية نشاط احتجاجي سلمي ضد السياسات المصرية المتعلقة بمعبر رفح وحصار غزة.

وتبرز هذه الواقعة ضمن سلسلة من الأحداث التي ترسخ الانتقادات الموجهة لنظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، خاصة فيما يتعلق بقمع الحريات وتصدير القمع للخارج.

 

من هو مروان؟

في مساء يوم الخميس، 31 يوليو 2025، أوقفت السلطات الماليزية الطالب المصري مروان محمد مجدي عثمان (28 عاماً)، وهو طالب دراسات عليا بجامعة ماليزية بارزة، بعد مشاركته في مظاهرة أمام السفارة المصرية في العاصمة كوالالمبور.

لم تقتصر فعلته على الهتافات، بل قام بكتابة عبارات احتجاجية ضد سياسات حكومة السيسي على جدران السفارة دعماً لغزة ومطالباً بفتح معبر رفح الحدودي.

اعتبرت السفارة المصرية هذا الفعل تهديداً للأمن القومي وقدمت بلاغاً رسمياً اتهمته بالخيانة العظمى.

تحت ضغط السفارة المصرية، استجابت السلطات الماليزية واعتقلت مروان بدعوى "التحريض وخرق القوانين المحلية"، خصوصاً أن القانون الماليزي يمنع مظاهرات الأجانب دون ترخيص مسبق.

وأكدت مصادر دبلوماسية وحقوقية أن الإجراءات القانونية تمضي باتجاه ترحيله القسري إلى مصر.

 

القمع العابر للحدود

تسبّب خبر احتجاز مروان في حالة استنفار لدى منظمات حقوق الإنسان التي حذّرت من ترحيله إلى مصر، حيث "سيلقى تعذيباً ومحاكمة سياسية جائرة".

وأكدت منظمة عدالة لحقوق الإنسان أن هذه الحادثة تمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في القانون الدولي، في ضوء سجل مصر الحقوقي الأسود بحق المعارضين والمحتجين السلميين.

إذ تصنف منظمات دولية مصر "بيئة غير آمنة للمعارضين"، حيث تمتلئ السجون بـ60,000 معتقل سياسي حسب تقارير منظمات محايدة مثل هيومن رايتس ووتش.

كتب الناشط السياسي المصري المقيم في الخارج، يحيى حسين عبد الهادي، عبر "إكس": "ترحيل مروان سيكون جريمة جديدة في سجل التعاون الدولي المشبوه مع نظامٍ لا يعرف سوى الاعتقال والتعذيب كوسيلة لإسكات معارضيه".

جاءت واقعة مروان في ظل سياسة باتت معروفة عن النظام المصري في تتبع أصوات المعارضة بالخارج، إذ ارتفع عدد طلبات التسليم والترحيل للمعارضين المصريين في عهد السيسي بشكل ملحوظ منذ انقلاب يوليو 2013.

أبلغت السلطات المصرية الإنترپول بأكثر من 40 معارضاً مصرياً بالخارج خلال العقد الأخير.

وفي عام 2019، أثار ترحيل محمد عبد الحفيظ من تركيا إلى مصر موجة من الانتقادات بسبب تعرضه لانتهاكات حقوقية فور وصوله.

كل هذا يعكس استراتيجية النظام بتصدير أجندة "محاربة المعارضة" إلى خارج حدوده، مدعوماً من بعض الحكومات التي تربطها به علاقات اقتصادية أو سياسية قوية.

 

لماذا ملاحقة المعارضين..

يعيش نظام السيسي أزمة عميقة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، جعلته أكثر حساسية لأي حراك أو انتقاد خارجي. فمنذ 2013، شهد الاقتصاد المصري تدهوراً كبيراً حيث تجاوز الدين الخارجي 196مليار دولار بحلول منتصف 2025، مقابل أقل من 48 مليار دولار عند عهد وصول السيسي، وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي إلى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات، بالتزامن مع ارتفاع نسب التضخم السنوي إلى أكثر من 39% منتصف 2025، وطفرة في معدلات الفقر فاقت 33% من السكان بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

صرّح الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق قائلاً: "حكومة السيسي لا تجد أمامها من سبيل سوى تحويل بوصلة الغضب الشعبي نحو "الخونة والعملاء"، وجرّ معاركها حتى في الخارج. ففشلها الاقتصادي ينعكس مباشرة على تصعيد القمع ورفض أي صوت معارض".

 

تصريحات وتحذيرات..

انتقد عشرات البرلمانيين الأوروبيين والأمريكيين ملاحقة المعارضين المصريين في الخارج. وأكد تقرير لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي (مارس 2024) أن "النظام المصري يستخدم الأجهزة الدبلوماسية لتكميم أفواه المعارضين بالخارج، وعلى الدول المستقبلة للمصريين الالتزام بالتزاماتها الحقوقية وعدم الرضوخ للضغوط المصرية بترحيلهم".

 وحذرت شخصيات حقوقية دولية مثل كينيث روث (المدير التنفيذي السابق لهيومن رايتس ووتش) من "تعقب النظام المصري لأصوات المنتقدين في المنفى ومن استغلال الاتفاقيات الأمنية مع دول آسيوية وأوروبية لترحيلهم قسراً".

 

تصاعد الغضب الشعبي والحقوقي

ظهرت في منصات التواصل الاجتماعي الدولية عشرات الوسوم مطالبين ماليزيا بحماية مروان ووقف ترحيله وتسليمه لمصر، واعتبرت هذه الأصوات "ترحيل أي معارض قسرياً للسلطات المصرية حكماً بالإعدام البطيء، أو الاعتقال المفتوح على المجهول".

هذه الحادثة ليست منفصلة عن ممارسات النظام المصري ضد الحريات، بل تكشف الطبيعة العميقة لأزمة الحكم في عهد السيسي، حيث أصبح أي تعبير عن الرأي، ولو كان سلمياً في جغرافيا أخرى، عرضة للقمع والملاحقة.

ومع تصاعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، يستمر النظام في تصعيد القبضة الأمنية، مصدِّراً أزماته وخياراته القمعية خارج الحدود، ومفضلاً سياسة "تكميم الأفواه" على البحث عن حلول وطنية جادة لمشكلات مصر الحقيقية.