في مشهد يكشف جانبًا من فوضى سيناء التي باتت خارجة عن السيطرة الرسمية، قُتل الشاب فراس أبو عمرو، من قبيلة الرميلات جنوب مدينة الشيخ زويد، برصاص قيادي في ما يُعرف بـ"اتحاد قبائل سيناء" المدعوم من الجيش، وفقًا لما نقلته صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر قبلية مطلعة.
الحادثة، التي وقعت نهاية يوليو 2025، جاءت في أعقاب توتر متصاعد بين تحالفات قبلية ومجموعات مسلحة، وسط صمت رسمي تام من أجهزة الدولة.
المصادر تشير إلى أن الشاب قُتل إثر خلاف داخل إحدى نقاط السيطرة التابعة للاتحاد، ويُشتبه في تورط أحد المقربين من إبراهيم العرجاني، رجل الأعمال المقرب من النظام ورئيس الاتحاد غير الرسمي.
وتُظهر هذه الجريمة الوجه الخفي لحكم السيسي في سيناء، حيث فوضت الدولة مهام الأمن والقتال لأطراف عشائرية ومليشيات خارجة عن القانون، مما أدى إلى انتهاكات جسيمة بحق السكان المحليين.
اتحاد قبائل سيناء ودوره المشبوه
يُعرف اتحاد قبائل سيناء بأنه تحالف شبه عسكري شكّله نظام الانقلاب المصري بدعم مباشر من المخابرات الحربية، برئاسة اللواء عباس كامل، وأسنده إلى إبراهيم العرجاني، رجل الأعمال السيناوي المقرب من السلطة.
وقد تلقى هذا الاتحاد دعمًا لوجستيًا وتسليحيًا منذ 2016 تحت شعار "دعم الجيش في مكافحة الإرهاب"، لكن الوقائع على الأرض تظهر أنه تحول إلى ذراع غير قانونية تستخدم القوة بلا رقابة.
بحسب تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" في 2021، وثّقت المنظمة عمليات قتل خارج إطار القانون، واعتقال تعسفي، وإخفاء قسري نفذها هذا الاتحاد تحت حماية الجيش.
وتُعد حادثة مقتل فراس واحدة من عشرات الحالات التي لم تجد طريقها إلى التحقيق أو المحاسبة، في ظل غياب كامل لمؤسسات العدالة.
مؤشرات على صراع داخلي
قبل أيام فقط من مقتل فراس، شهدت مدينة العريش اشتباكات مسلحة بين مجموعات تنتمي لاتحاد القبائل نفسه، أسفرت عن إصابة اثنين واختطاف ثالث.
الحادثة وقعت في وضح النهار، واستخدمت فيها سيارات دفع رباعي وأسلحة آلية تابعة للاتحاد، وسط غياب تام لتدخل قوات الجيش أو الشرطة، ما يعكس حجم النفوذ الموازي لهذه الجماعات المسلحة في المنطقة.
هذا التدهور الأمني يُعيد إلى الأذهان تحذيرات أطلقها سياسيون وخبراء أمنيون منذ سنوات، من أن إنشاء مثل هذه الكيانات خارج إطار الدولة سيؤدي إلى تفكك سلطة القانون.
وقد كتب الباحث محمود جمال، المتخصص في الشأن العسكري، في تحليل نُشر عبر "المعهد المصري للدراسات"، أن "تفويض العرجاني ومن معه بمهام أمنية هو قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه الجميع".
الدولة الغائبة..
رغم وعود قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي المتكررة منذ 2014 بالقضاء على الإرهاب وتحقيق التنمية في سيناء، إلا أن الحقائق على الأرض تشير إلى العكس.
فبحسب بيانات رسمية، تعرضت المنطقة بين عامي 2018 و2023 إلى أكثر من 1200 عملية مسلحة بين استهداف واشتباك وكمين، مع نزوح آلاف العائلات من رفح والشيخ زويد بسبب حملات التهجير القسري.
وفي تقرير لمركز "كارنيغي للشرق الأوسط" عام 2022، وصف الباحث يزيد صايغ الوضع في سيناء بأنه "نتيجة لفشل عسكري واستراتيجية مرتجلة تعتمد على قوى محلية غير مدربة وغير خاضعة للمساءلة، ما أدى إلى انتهاكات لا يمكن حصرها"، ورغم إعلان الجيش تطهير سيناء في أكثر من مناسبة، إلا أن حوادث القتل والخطف والاشتباك ما تزال مستمرة.
الفاتورة الاقتصادية والإنسانية لأهالي سيناء
لا تقتصر الكارثة في سيناء على الجانب الأمني فقط، بل تشمل كذلك البعد الاقتصادي والإنساني، حيث تحولت مدن مثل رفح والشيخ زويد إلى مناطق أشباح بعد أن دُمرت مساكنها وسويت بالأرض خلال الحملات العسكرية منذ 2015، وتم تهجير ما لا يقل عن 100 ألف شخص دون تعويضات كافية أو توفير بدائل سكنية.
وقد كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في منتصف 2024 أن معدل الفقر في شمال سيناء تجاوز 60%، وهي النسبة الأعلى على مستوى المحافظات.
ورغم الحديث عن مشاريع تنمية، إلا أن معظمها يذهب إلى شركات تتبع "مجموعة العرجاني القابضة"، ما يثير شبهات فساد وتضارب مصالح.
صمت إعلامي وتواطؤ قضائي
ما يزيد من خطورة الوضع هو التعتيم الإعلامي الكامل على ما يجري في سيناء، حيث تُمنع وسائل الإعلام المستقلة من تغطية الأحداث، ويُلاحق الصحفيون الذين يحاولون نشر الحقائق، بل إن وسائل الإعلام الرسمية لم تذكر اسم فراس أبو عمرو، ولم تصدر النيابة العامة أو وزارة الداخلية أي بيان حول مقتله.
ويرى الصحفي حسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن "ما يحدث في سيناء هو نسخة مصرية من الحكم بالمليشيات، حيث لا قانون ولا رقابة ولا مساءلة، والدولة تختبئ خلف رجال أعمال يستخدمون السلاح باسم الوطن".
حادثة مقتل فراس أبو عمرو ليست مجرد جريمة معزولة، بل مؤشر خطير على انهيار هيبة الدولة في شمال سيناء، وتحول مناطق كاملة إلى ساحات نفوذ لرجال قبائل مدججين بالسلاح تحت غطاء الدولة.
في ظل هذا الواقع، يتساءل كثير من المصريين: هل لا تزال سيناء جزءاً من الدولة المصرية أم تحولت إلى منطقة نفوذ خاصة تخضع لحكم مليشيات العرجاني؟