في واقعة أثارت جدلاً واسعاً وغضباً بين المعلمين بمحافظة أسيوط، وجه اللواء دكتور هشام أبو النصر، محافظ أسيوط، اتهامات قاسية للمعلمين في مدرسة بدر الرسمية للغات، متهمًا إياهم بالتقاعس عن العمل وعدم الإنتاج، ومشدداً على أن «المرتبات تُصرف بلا مقابل.
هذه التصريحات جاءت خلال جولة تفقدية لمحافظ أسيوط في المدرسة للتحضير لانتخابات مجلس الشيوخ 2025، حيث شاهد تجمعات للمعلمين في معمل الكمبيوتر دون عمل، ما أثار غضبه بشدة.
بدأت الحادثة يوم 3 أغسطس 2025 عند تفقد محافظ أسيوط تجهيزات لجنة انتخابات مجلس الشيوخ في مدرسة بدر الرسمية للغات، حيث لاحظ تجمع المعلمين في معمل الكمبيوتر، يتناولون الشاي والبسكويت دون أداء مهام عمل واضحة.
احتجاجاً على هذا الموقف، قال محافظ أسيوط للمعلمين كلمات اعتبرها كثيرون إهانة مثل: «إنتوا بتيجوا المدرسة تاخدوا فلوس وتشربوا شاي وترغوا وتمشوا.
كما طالب المعلمين باستغلال الإجازة الصيفية في تقديم دورات تدريبية للطلاب، خصوصاً في مجال الكمبيوتر، بهدف استثمار وقتهم ومهاراتهم وإفادة الطلاب.
نقابات المعلمين ترد: "كفى عبثًا"
وفي أول رد فعل على تصريحات محافظ أسيوط، أصدرت نقابة المعلمين المستقلة بيانًا شديد اللهجة، جاء فيه: "كفى عبثًا بمكانة المعلم، لا يجوز تحميله فشل السياسات التعليمية والاقتصادية للدولة".
وطالبت النقابة باعتذار رسمي من المحافظ، وفتح حوار جاد حول سبل تطوير التعليم، يبدأ بتحسين أوضاع المعلمين ماديًا ونفسيًا.
وفي تصريحات خاصة لموقع «مصر 360»، قال نقيب المعلمين المستقلين في أسيوط، محمد عبد الرحمن، إن "المعلم لم يعد يملك ثمن المواصلات اليومية، فكيف يُطلب منه العمل في الصيف بلا أجر؟".
وتابع: "من يريد تطوير التعليم عليه أن يبدأ من احترام المعلمين، لا شيطنتهم".
المعلم تحت القصف: تدهور مادي ومعنوي ممنهج
منذ وصول السيسي إلى الحكم في 2014، تعرض المعلمون في مصر لتدهور متسارع في أوضاعهم المادية، فبحسب دراسة أصدرها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عام 2022، فإن 78% من المعلمين لا تصل رواتبهم للحد الأدنى من الكفاية المعيشية، ويتقاضى المعلم المصري في المتوسط 3500 إلى 4500 جنيه شهريًا، أي ما يعادل نحو 70 إلى 90 دولارًا فقط.
في المقابل، لم تحظ مهنة التعليم بأي دعم حقيقي من الدولة، حيث لم يتجاوز الإنفاق الحكومي على التعليم 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب أرقام الموازنة العامة لعام 2023/2024، وهو أقل بكثير من النسبة التي أوصى بها الدستور (4%).
هذا الخلل الفادح يعكس بوضوح تراجع أولوية التعليم في سياسات النظام الحالي، رغم ما يرفعه من شعارات "بناء الإنسان المصري".
يرى د. جمال عيد، رئيس الجمعية المصرية لحقوق الإنسان، أن "سياسات الحكومة الاقتصادية تهدف إلى تقليص الخدمات العامة، وعلى رأسها التعليم، مما يؤدي إلى تقليل جدوى الاستثمار في الكادر التعليمي.
كما انتقد السياسي الدكتور محمد الباز استمرار حالة القمع السياسي والاقتصادي التي تمنع القطاع التعليمي من النهوض بسبب قيود حرية التعبير والاحتجاج.
وقائع سابقة ضد المعلمين
- 2019: وزير التربية والتعليم السابق، طارق شوقي، ألقى تصريحات عن «ضرورة إصلاح منظومة التعليم رغم الغضب الشعبي» وانتقد قصور أداء بعض المعلمين، مما آثار استياء واسعاً.
- محافظات عدة شهدت تصاعد في تصريحات رسمية تتهجم على المعلمين وتتهمهم بالتقاعس، مثل تصريحات محافظ الشرقية عام 2023 التي حمّل فيها بعض المعلمين مسؤولية التراجع التعليمي.
- تصريحات أخرى من قيادات نظام السيسي اعتبرت التعليم «قطاعاً غير منتج» كما نقل عن أحد الوزراء في 2021.
تصريحات محافظ أسيوط ضد معلمي مدرسة بدر الرسمية للغات ليست حدثًا معزولاً، بل تعكس نمطاً متكرراً في تعامل نظام السيسي مع المعلمين الذين يعانون من قلة الدعم والتقدير في آن معًا، في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها مصر، يقف المعلمون كركيزة أساسية بلا بديل في بناء المجتمع والمستقبل لكنهم يجدون أنفسهم عرضة لسلسلة من الإهانات والتقليل من قيمتهم المهنية، ما يستوجب تحركًا جادًا من الحكومة لرأب الصدع وضمان حقوق المعلمين واحترامهم تقديراً لدورهم الحيوي.