تحولت تظلمات الثانوية العامة في مصر خلال العام الدراسي 2024/2025 إلى ساحة لكشف ما وُصف بـ"التلاعب المنهجي" في نتائج الطلاب، وسط شهادات صادمة تداولها أولياء الأمور وطلاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تشير إلى وجود تزوير وتبديل في أوراق الإجابة، ما زاد من حالة الغضب الشعبي في ظل نظام تعليمي متدهور يتحكم فيه الأمن والبيروقراطية وليس الكفاءة.
خلال الأيام الأخيرة من يوليو 2025، انتشرت عشرات المقاطع المصورة والتقارير من داخل لجان مراجعة التظلمات، حيث صُدم طلاب بأن الأوراق المعروضة عليهم لا تخصهم، أو أن خط الإجابة يختلف عن خطهم، مما يشير إلى احتمال استبدال الأوراق أو التلاعب بها بعد انتهاء الامتحانات.
"ده مش خطي".. وحالات موثقة من التزوير
شهدت مقار التظلمات حضورًا كثيفًا للطلاب وأولياء الأمور الذين فوجئوا باتساع فجوة النتائج عن توقعاتهم، تحدثّت طالبة تدعى تسنيم السعيد عن وجود أخطاء فادحة في تصحيح مادة الفيزياء، مؤكدة أنها وثقت الواقعة بالصور والمستندات، وسط حملة تضامن على منصات التواصل.
وفي مشهد صادم، عبّر أولياء الأمور عن غضبهم بعد اكتشاف حالات تبديل أوراق البابل شيت، حيث ادعى البعض أن الإجابات التي اطلعوا عليها في التظلم لا تتطابق مع إجابات أبنائهم الأصلية، مما دفعهم إلى اتهام الوزارة بالتقصير أو التواطؤ مع بعض الموظفين.
في 28 يوليو، نشرت الطالبة "ر.م." من محافظة الغربية مقطع فيديو من داخل لجنة مراجعة التظلمات، وهي تبكي بحرقة بعد أن فوجئت بأن ورقة الإجابة في مادة الفيزياء "ليست بخط يدها"، رغم أنها حصلت على درجات متدنية لا تتوافق مع مستواها التعليمي، وأكدت الطالبة أن الورقة لا تحتوي على إجاباتها الحقيقية، بل كتب فيها شخص آخر.
حالة مشابهة ظهرت في محافظة سوهاج، حيث نشر ولي أمر الطالب "ع.ك." شهادة رسمية من لجنة التظلمات تُظهر أن ورقة اللغة العربية لا تحمل اسمه الأصلي بخط اليد، ما أثار تساؤلات حول آلية التصحيح وتوزيع الأوراق.
وقال في تصريح صحفي: "دفعنا آلاف الجنيهات في الدروس، وفي النهاية ابننا يُظلم بسبب نظام فاسد".
ونشرت وسائل إعلامية شهادات لطلاب حصلوا على درجات أقل كثيرًا من مستواهم المعتاد، رغم مشاركتهم في مسابقات علمية ونيلهم شهادات تفوق، حتى قالت إحدى الأمهات "بنتي كادت تفقد عقلها... أين العدالة وأين الشفافية؟"
ما يحدث "كارثة أمن قومي"
علق الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث، في تصريح لـ"المنصة"، بأن ما يجري يعكس "انهيار المنظومة التعليمية بالكامل". وقال: "حين تصبح أوراق الامتحان عرضة للتبديل أو الإهمال أو التزوير، فهذا ليس مجرد خطأ فردي بل جريمة بحق جيل كامل".
وأضاف: "غياب الشفافية، وتجاهل وزارة التربية والتعليم لمطالب التحقيق، يؤكد أننا أمام منظومة لا تحترم الحد الأدنى من الحقوق التعليمية".
من جانبه، اعتبر البرلماني السابق والمعارض الدكتور جمال زهران أن "ما حدث في التظلمات يعكس كيف أصبحت الدولة تتعامل مع كل الملفات حتى التعليم بعقلية أمنية سلطوية"، داعيًا إلى تشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة، وليس من داخل الوزارة.
صمت مريب وردود مكررة
رغم تصاعد الأزمة وانتشار عشرات الشهادات المصورة والمكتوبة، اكتفت وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب ببيان مقتضب يوم 30 يوليو، نفت فيه "وجود أي عمليات تلاعب أو استبدال"، وزعمت أن "كل تظلم يتم مراجعته بدقة بواسطة لجان محايدة"، دون تقديم أي دليل شفاف أو السماح بالتصوير داخل اللجان كما تطالب به منظمات حقوقية.
وكان الوزير المزّور محمد عبد اللطيف قد قال في مؤتمر صحفي يوم 15 يوليو إن "المنظومة الإلكترونية للامتحانات تحول دون أي تلاعب"، رغم أن الوقائع الحالية تنسف هذا الادعاء، خصوصًا بعد ثبوت أن كثيرًا من أوراق الإجابة مطبوعة بخط اليد، لا إلكترونية.
أعباء مادية ونفسية..
بلغت رسوم التظلم هذا العام 200 جنيه للمادة الواحدة، ما يعني أن أسرة لديها طالب يرغب في التظلم من 5 مواد تدفع ما لا يقل عن 1000 جنيه، دون ضمان أي شفافية أو عدالة، مما فاقم من الأعباء المعيشية في بلد يعاني من أعلى معدلات التضخم منذ 70 عامًا، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مايو 2025.
إحدى الأمهات تحدثت إلى منصة "مصر 180" المعارضة قائلة: "دفعنا مصاريف دروس وصلت لـ70 ألف جنيه في السنة، وبعد كل دا، يقولوا ورقة ابنك مش بتاعته؟!.. إحنا بنُذل ونُسرق علنيًّا".
الكاتب الصحفي البرغوثي أشار إلى "تكية" الفساد بدءًا من منح الترخيص لبناء المدارس بالرشاوى مرورًا بتسهيل النجاح أو التساهل في النتائج أو حتى تسريب الامتحانات مقابل مقابل مادي، ما يدفع الأسر المصرية إلى قنوات غير رسمية للحفاظ على مستقبل أبنائهم.
الأبعاد السياسية للأزمة..
يرى خبراء أن ما يحدث في ملف الثانوية العامة ليس معزولًا عن المناخ السياسي العام في مصر، والذي يهيمن عليه القمع وتكميم الأفواه، ويُدار بمعزل عن الكفاءة أو المساءلة.
وقال الإعلامي أسامة جاويش في برنامجه "الشارع المصري" إن "نظام السيسي لا يعتبر التعليم أولوية، بل عبئًا يجب تقليصه"، مشيرًا إلى أن الموازنة العامة للعام المالي 2024/2025 خصصت أقل من 6% فقط من الناتج المحلي للتعليم، رغم التوصية الدستورية بنسبة 10%.
كما اتهم البرلماني السابق حاتم عزام النظام بتحويل التعليم إلى "أداة تمييز طبقي" من خلال تعزيز الدروس الخصوصية، وفشل النظام في رقمنة الامتحانات رغم إنفاق أكثر من 3 مليار جنيه على منظومة التابلت منذ 2018.
مستقبل الأجيال على المحك
في ظل تجاهل حكومي، وصمت إعلامي موالٍ للنظام، يبقى مستقبل عشرات الآلاف من الطلاب معلقًا في الهواء، بعد أن فشلوا في الحصول على حقوقهم في التصحيح العادل أو حتى معرفة مصير أوراقهم الأصلية، ويخشى مراقبون أن يؤدي هذا إلى زيادة الهجرة التعليمية، أو انحدار الثقة في النظام التربوي المصري بشكل كامل.
وقد دعا "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" يوم 1 أغسطس إلى فتح تحقيق فوري ومستقل، كما طالب أولياء الأمور بمقاطعة التقديم للجامعات حتى إعلان نتائج التظلمات بشفافية.