تضامن معلن وصفقات خفية
في الوقت الذي كانت فيه شاشات الإعلام الرسمي المصري تُظهر تعاطف النظام مع مأساة غزة، يكشف تقرير صادر عن المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي عن حقائق صادمة: مصر تصدرت قائمة الدول العربية المصدّرة للمنتجات الغذائية إلى إسرائيل في يونيو 2025، بقيمة بلغت 3.8 مليون دولار، بحسب تحقيق نشره موقع عربي بوست.
تأتي هذه الأرقام في ظل اشتداد المجاعة في قطاع غزة المحاصر، ما يفتح باب التساؤلات حول ازدواجية مواقف النظام المصري بين ما يُقال إعلاميًا، وما يُنفذ فعليًا على الأرض.
10 منتجات غذائية مصرية تتدفق على موائد الاحتلال
بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الجانب الإسرائيلي، فإن المنتجات التي استوردتها تل أبيب من مصر في يونيو وحده شملت:
- الحبوب
- الدقيق
- الشاي
- التوابل
- الخضروات الطازجة
- الفواكه
- المكسرات
- العصائر
- البقوليات
- منتجات غذائية معالجة (مثل المربى والمعلبات)
ورغم الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة، والذي يمنع دخول أبسط المستلزمات الإنسانية والطبية، فإن المواد الغذائية المصرية استمرت في التدفق إلى الجانب الإسرائيلي بلا انقطاع، ما يؤكد وجود تنسيق اقتصادي يتجاوز ما يُعلن عنه سياسيًا.
لماذا تتواطأ مصر السيسي؟
نظام عبد الفتاح السيسي يتبنى سياسة "التحالف مع الاحتلال في الخفاء، والتضامن مع الفلسطينيين في العلن"، وهي سياسة ليست بالجديدة، لكنها باتت مكشوفة بشكل فج خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، التي بدأت في أكتوبر 2023 وتواصلت آثارها المأساوية حتى اليوم.
بحسب الدكتور سعد هلالي، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة لندن، فإن “مصر باتت تعتمد بشكل متزايد على العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل كوسيلة لجذب دعم أمريكي وغربي، ولإرضاء شركاء تل أبيب في المنطقة”، على حد تعبيره في لقاء مع قناة "العربي".
ويضيف: "ما يحدث الآن هو تواطؤ اقتصادي مغطى بلغة دبلوماسية، فبينما يُغلق معبر رفح بشكل متكرر أمام الجرحى والمساعدات الإنسانية، تُفتح المعابر التجارية لتمرير شحنات الغذاء إلى إسرائيل".
أرقام تكشف المفارقة
بحسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن أكثر من 1.1 مليون فلسطيني في قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث وصفت الوكالة الوضع في يونيو 2025 بأنه “الأسوأ منذ عقود”، مشيرة إلى أن سكان القطاع لا يحصلون إلا على وجبة واحدة يوميًا إن توفرت.
ورغم ذلك، فقد أظهرت بيانات المكتب الإسرائيلي للإحصاء أن:
- صادرات مصر من الغذاء لإسرائيل ارتفعت من 1.9 مليون دولار في مايو 2025 إلى 3.8 مليون دولار في يونيو – أي نسبة زيادة تفوق 100% خلال شهر المجاعة في غزة.
- في نفس الفترة، تم منع قوافل مساعدات فلسطينية من دخول القطاع عبر معبر رفح، بذريعة “الأوضاع الأمنية”، بحسب بيان للهيئة العامة للمعابر المصرية.
غياب المساءلة وتواطؤ الأجهزة
ما يثير القلق الأكبر في هذه المسألة، هو صمت الجهات الرقابية والمؤسسات السيادية في مصر، التي لم تصدر أي توضيح حول هذه البيانات رغم الضجة التي أثارتها على منصات التواصل.
ويرى المحامي الحقوقي خالد علي أن “ما يجري هو نموذج صارخ لفشل الدولة المصرية في احترام مسؤوليتها القومية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية، ويعكس توظيف السياسات الاقتصادية لخدمة النظام لا الشعب”.
ويضيف في تصريح لصحيفة "مدى مصر": "لا أحد يراقب، لا برلمان، ولا جهات مساءلة مستقلة، بل نحن أمام نظام اقتصادي مغلق يدار من مكتب المخابرات لا من وزارة التجارة".
التطبيع الاقتصادي في أوجهه
تتجاوز العلاقات المصرية الإسرائيلية حدود التنسيق الأمني، لتصل إلى تطبيع اقتصادي ممنهج، حيث تظهر بيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ ما يقرب من 330 مليون دولار في النصف الأول من 2025، معظمها في قطاعات الأغذية والكيماويات والنسيج.
ووفق تحليل نشره مركز "كارنيغي" للدراسات في يونيو الماضي، فإن النظام المصري "يراهن على الشراكة مع إسرائيل كشريك اقتصادي بديل عن دول الخليج التي تراجعت عن ضخ الاستثمارات الموعودة"، مشيرًا إلى أن مصر تحت حكم السيسي خرجت عمليًا من مربع الحياد القومي إلى مربع الشراكة الإقليمية مع إسرائيل.
تواطؤ إعلامي وتضليل منهجي
الغريب أن هذه الأرقام الكاشفة لم تجد لها صدىً في الإعلام المصري الرسمي أو الخاص، بل استمرت القنوات الموالية للنظام في بث رسائل التعاطف مع غزة، وهو ما وصفه الإعلامي أسامة جاويش بأنه "أكبر عملية خداع جماهيري ممنهج منذ نكسة 1967"، مضيفًا أن "النظام المصري يصدر الغذاء للعدو ويمنع كسرة الخبز عن المحاصرين، ثم يخرج متحدثوه ليخطبوا عن السيادة والكرامة".
ازدواجية قاتلة
يظهر بوضوح أن نظام السيسي يتبع نهجًا مزدوجًا في التعامل مع القضية الفلسطيني.. دعم إعلامي وتصريحات سياسية فارغة، يقابلها تنسيق اقتصادي نشط مع المحتل الإسرائيلي حتى في ذروة المجاعة في غزة.
إن تصدير الغذاء في وقت الجوع، والتقارب الاقتصادي في لحظة العزل، ليس فقط نفاقًا سياسيًا، بل خيانة صريحة للمبادئ التي تأسست عليها الدولة المصرية الحديثة.
المصادر:
- المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي
- وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)
- مركز "كارنيغي" للدراسات بيانات وزارة التجارة المصرية
- عربي بوست
- مدى مصر