نشر أحمد الطنطاوي، مرشح الرئاسة السابق على صفحته في موقع x ، "أعجب الاختراعات في عالم السياسة أن تجد من يدعي معارضة النظام ثم يلهث خلفه لاستجداء بعض الكراسي".

ويعتبر هذا التصريح العاصف والصريح، من السياسي المصري أحمد الطنطاوي الذي وضع إصبعه على جرح مفتوح في الحياة السياسية المصرية: أحزاب تُصنف نفسها معارضة، لكنها تُدار من مكاتب الأمن الوطني، وتفاوض النظام على الفُتات تحت طاولة مغلقة.

وما قاله الطنطاوي لم يكن مجرد رأي شخصي، بل توصيف دقيق لواقع مرير يُدركه كل متابع للشأن المصري: فالأحزاب السياسية، التي كان يُفترض أن تكون صوت الشارع والرقابة الشعبية على السلطة، تحولت إلى كيانات كرتونية لا تزيد عن لافتات على جدران مقرات مغلقة، ولا تُفتح إلا في موسم "المسرحيات الانتخابية".

https://x.com/a_altantawyeg/status/1950998401832620328

 

انتخابات الشورى: مسرح بلا جمهور ولا ممثلين

في الانتخابات االجاريةة لمجلس الشورى، بدا كل شيء مرتبًا: مرشحون مغمورون تم دفعهم من الأجهزة الأمنية، وأحزاب تدّعي المعارضة، وتتنافس على مقاعد معروفة النتائج مسبقًا، وإعلام يصور الحدث وكأنه “عرس ديمقراطي”، بينما الكاميرات تُخفي لجانًا خاوية على عروشها.

بل إن ما يثير السخرية أن غالبية المقاعد حُسمت بالتزكية أو "بالتفاهم"، وكأن الاستحقاق الانتخابي ليس تمثيلًا شعبيًا بل توزيعًا للغنائم بين الأحزاب الموالية للنظام.

من تابع الجولة الانتخابية في الخارج، رأى بنفسه كيف كانت مقرات اللجان الانتخابية أشبه بصناديق مهجورة، والناخبون أقل من أن يُشكلوا طابورًا. ومع ذلك، تم الإعلان عن نسب "مشاركة مشرفة" تقترب من 30%!

لكنّ الصور والفيديوهات فضحت الحقيقة: لم يكن هناك إقبال حقيقي، لأن الناس فقدت الثقة في جدوى التصويت، بعدما رأوا أن كل شيء يتم بتوجيه مباشر من السلطة.

 

أحزاب مصطنعة.. ورقية في الأصل والجوهر

في أي نظام سياسي طبيعي، تشكّل الأحزاب قلب الحياة الديمقراطية، ومصدر التنوع في الرأي والاختلاف. لكن في مصر، منذ انقلاب يوليو 2013، تمت هندسة الحياة السياسية بالكامل لصالح نظام الفرد الواحد.

وتمّ السماح لأحزاب معروفة التوجهات الأمنية بالعمل، شريطة أن تُجمّل وجه النظام أمام الخارج، أو تملأ مقاعد البرلمان دون أن تجرؤ على نقد حقيقي.

 

أبرز هذه الأحزاب "الكرتونية":

مستقبل وطن: الذراع السياسية الفعلية للنظام، يتلقى دعمًا مفتوحًا من رجال الأعمال الموالين والأجهزة الأمنية.

حماة الوطن – الشعب الجمهوري – الوفد الجديد: لا تملك قواعد جماهيرية حقيقية، وتدور في فلك النظام وتشارك في الانتخابات وفق توزيع مسبق للمقاعد.

الأحزاب الصغيرة (التجمع، الناصري، المصري الديمقراطي): تلعب دور "المعارضة الآمنة"، وتعترض على قضايا شكلية دون مساس بجوهر السلطة.

أحزاب لا تعترض على انتهاكات، لا تصدر مواقف من الاعتقالات، ولا تدافع عن الحريات، لكنها تتزاحم على المقاعد وتزايد بالولاء تحت قبة البرلمان.

 

من المعارضة إلى استجداء السلطة.. هروب من الشارع إلى الكراسي

يقول الطنطاوي في تصريحه: "يدَّعون أنهم ضد طريقة السلطة في الحكم، ثم يلهثون وراءها لاستجداء بعض الكراسي".

هذه الجملة تُلخّص واقع "معارضة الصالونات" في مصر. فالعديد من السياسيين الذين يتحدثون عن التغيير والديمقراطية أمام الكاميرات، يبحثون خلف الكواليس عن صفقات انتخابية مع الأجهزة، تضمن لهم مقعدًا في البرلمان أو منصبًا رمزيًا.

المعارضة لم تعد صوتًا من الشارع، بل أداة تُستخدم لتجميل مشهد ديكتاتوري يتستر خلف مظاهر ديمقراطية زائفة.

 

لماذا يفقد الشارع الثقة؟

الناخب المصري لم يعد ساذجًا. بعد سنوات من القمع، والتضييق، والانهيار الاقتصادي، بات المواطن يعلم أن صوته لن يغيّر شيئًا، وأن السلطة هي من تختار المرشحين والنتائج والمقاعد.

وفي ظل غياب ضمانات النزاهة، واحتكار الإعلام، والتشويه الممنهج لأي صوت مستقل، وإقصاء المنافسين الحقيقيين كما جرى مع طنطاوي وعبد المنعم أبو الفتوح وغيرهم أصبح الشارع مقتنعًا بأن الانتخابات ما هي إلا مسرحية يتم فيها توزيع الأدوار، لا التعبير عن الإرادة الشعبية.

 

النتيجة: برلمان لا يمثل الناس.. بل يمثل النظام

مجلس الشورى الذي يجري انتخابه الآن، ومجالس النواب السابقة، لم تُناقش يومًا أزمة معتقل سياسي، أو ملف قمع الحريات، أو تجاوزات الشرطة، أو الصفقات المشبوهة للديون والقروض.

بل انشغل النواب في مدح قائد الانقلاب، وتأييد القرارات دون مراجعة، وتغليف القوانين القمعية بعبارات رنانة، وكأن البرلمان مجرد غرفة تسجيل لما تمّ الاتفاق عليه سلفًا داخل الأجهزة السيادية.

 

رسالة الطنطاوي.. هل تجد صدى؟

تصريح أحمد الطنطاوي لم يأتِ في فراغ. فقد سبق أن انسحب من الترشح الرئاسي، بعد تعرضه لمضايقات أمنية واعتقال فريق حملته، في مؤشر على سقوط قناع التعددية السياسية.

طنطاوي يُخاطب ما تبقى من ضمير سياسي في البلاد، ويطرح سؤالًا وجوديًا على تلك الأحزاب: “هل أنتم مع الشعب حقًا؟ أم مجرّد وكلاء للنظام يرتدون قناع المعارضة؟”

وأخيرا فإنه لا ديمقراطية دون أحزاب حقيقية وأن ما تعيشه مصر اليوم هو مشهد سياسي مُفرغ من أي مضمون. أحزاب هشة، تعارض على استحياء، وتشارك في تمثيلية الانتخابات بلا برنامج ولا رؤية، ولا نية للتغيير.

الرهان الحقيقي ليس على هذه الأحزاب، بل على جيل جديد يرفض التواطؤ، ويطالب بحرية حقيقية، وانتخابات نزيهة، وأحزاب تمثل الناس لا أجهزة الأمن.

حتى ذلك الحين، سيظل ما يُسمى بالحياة السياسية في مصر مجرد مسرح من ورق… بلا جمهور، ولا أمل، ولا عدالة.