فجرت حماس اليوم في مطلع أغسطس 2025، أزمة صدام مكشوفة مع النظام المصري، في لحظة دقيقة شكلتها عوامل داخلية ودولية.

ومع أن النظام المصري يحاول رسم نفسه وسيطًا منصفًا، فإن الأداء الدبلوماسي والداخلي والتعاطي الإعلامي أظهر الانحياز الواضح إلى إجهاض مشروع المقاومة، بينما تُثبت حماس أنها صاحبة الحق الأصيل في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وصديق للشعب المصري الذي يعاني تحت وطأة النظام ذاته.

وعلى الرغم من التغطية السابقة المتشددة ضد حماس، شهدنا في الأسابيع الماضية تحولًا إعلاميًا حادًا: من إعلان إسرائيل "احتلالًا" ومنح حماس لقب "المقاومة"، وصولًا لإطلاق حملات تضامن داخل الإعلام الرسمي، كما وصفت صحيفة “الأهرام” إسرائيل بـ"الاحتلال" ووصفته حماس بـ"المقاومة".

لكن هذا الخطاب يتناقض تمامًا مع الواقع القمعي داخل مصر: مصادرة الحق في التجمع، واعتقال ناشطين لمجرد تأييدهم للقضية الفلسطينية  .

 

الاستغلال السياسي لموقف غزة

أظهر النظام قدرته على استثمار الأزمة الخارجية للسيطرة على المناخ الداخلي. فقد وظّف ملف غزة كدرع سياسي أثناء اقتراب انتخابات الشيوخ، مع غياب فعلي تمامًا للمعارضة  .

في الوقت نفسه، تجاهل المشكلات الاقتصادية وحقوق الإنسان بشكل كامل، واضطر إلى الإفراج الشعبي عن نفسه من خلال استجداء “دور الوسيط” في حماية الفلسطينيين.

 

الزعامات الدبلوماسية: مصالح إسرائيل وأمريكا فوق حقوق الفلسطينيين

بالكاد يمر يوم دون أن يستقبل أحدًا من قيادة إسرائيل أو مسؤول أمريكي، مع مشاريع "حلول" مثل إدارة مصر لقطاع غزة وتقليص دور حماس، وسط ترقب لضغوط واشنطن على السيسي لتيسير تطلعات ترامب واليمين الإسرائيلي إلى نقل سكان غزة إلى مصر أو الأردن.

النظام، رغم رفضه الظاهر لهذه الأفكار، يحافظ على نهج توازن هش، يَبعث رسائل تفيد بأنه "شريك استراتيجي" مهما بدا موقفه داعمًا لشعب فلسطين.

 

حماس المقاومة.. صوت الشعب وعنوان الكرامة

على خلاف النظام المصري، حافظت حركة حماس على تماسكها السياسي والعملي، رافضة التخلي عن خيار السلاح أو التنازل عن شروط الشعب الفلسطيني، رغم السيناريوهات التي تقتضي تسوية عبر تسليم السلاح للحكومة المصرية  .

أقرت الحركة بأن موقف النظام المصري من ملف التهدئة والمفاوضات لا يعكس مطالب الحركة أو الواقع الإنساني داخل غزة، وقالت إنه تم استبعادها من صياغة المبادرات، وتم اعتماد “وثائق لا تلبي مطلب رفع الحصار أو تحرير المعتقلين”.

كما انتقدت مصر بسبب إغلاق معبر رفح، وتفكيك شبكة الأنفاق التي توفر شريانًا اقتصاديًا بديلاً فرضه الحصار الإسرائيلي.

 

التضامن الشعبي والإعلامي الحاضن

يعكس تماسك حماس في معسكر المقاومة الشعبية في مصر، خصوصًا بين الشباب الذين وجدوا فيها ممثلًا شرعيًا لصف عربي تجاهلته حكومتهم.

الإعلام الرسمي المصري، رغم تهاويه، لم يستطع وقف فيضان دعم الشارع لحركة المقاومة، كما ظهر بوضوح خلال وسائط التواصل، حملات التضامن وقصائد الدعم الفني والثقافي  .

 

 لحظة انفجار الخلاف.. ماذا حدث في 1 أغسطس 2025؟

خرج وزير الخارجية المصري ليحمّل حماس مسؤولية تأخر إيصال المساعدات، متهمًا قيادتها بالتكاسل في المقابل، وصفت حماس مصر بأنها تربط تقديم المساعدات بمطالب سياسية، معتبرين الموقف خيانة لأهل غزة.

 

الخلاف على إعادة إعمار القطاع

أعلنت القاهرة عن خطة لإعادة إعمار غزة عبر تقليص دور المقاومة وفرض حكومة تقنية تحت إشراف الأجهزة المصرية.

ورفضت حماس هذا المخطط بالقول إنه لا يستند إلى الشعب الفلسطيني ولا يعترف بمؤسساته المنتخبة، وبهذا تستنسخ نموذج السلطة الفلسطينية التي فشلت في مواجهة الاحتلال وهدمت الزخم المقاوم.

 

معبر رفح وصيغة السيطرة الأمنية

اتهام مصر بحبس غزة عبر إغلاق معبر رفح وتحويل الإدارة الأمنية للمعابر بالكامل إلى المخابرات المصرية دفع حماس لتصعيد خطاباتها، معتبرة أن النظام لا يريد فعليًا فتح الحدود، بل تحجيم دور المقاومة وعدم السماح لها بالعمل ضمن دور مستقل.

 

الإعلام.. حرب خطابية مفتوحة

خرج الإعلام الموالي للسيسي بقصف حماس بكافة التهم: "أجندة إيرانية"، "فساد مالي"، "تورط منظمة في الإرهاب"، بينما ردّت الحركة بإعلانات تهدف إلى إعادة تشكيل الصورة. مؤسس مبادرة الحقوق الشخصية حسام بهجات وغيره تحدثوا عن أن النظام يستخدم الشعبوية لإخفاء قمعه الداخلي والانغلاق السياسي بالكامل  .

 

هيبة الشارع وأزمة النظام

بينما تسعى مصر للإعداد للانتخابات، تبقى كلمة الشارع المصري مؤثرة، خاصة بين الأجيال الجديدة. وهم يرفضون "بيع معركة غزة"، ويرون في حماس رمزًا يمثل قيم المقاومة وليس مصالح النظام.

هذا التناقض أبقى النظام في حالة حذر دائم، حتّى مع تراجعه عن موقفه الشعبوي تجاه حماس بشكل علني.

 

حماس كقوة سياسية إنتاجية

ضمن منطق التفاوض والمقاومة، حافظت الحركة على شروطها دون التخلي عن مطالب رفع الحصار وإطلاق المعتقلين، وهو ما أكسبها احترامًا في الرأي العام العربي، مقابل سياسات الحكومات التي انحرفت إلى "تهدئة في الظاهر" وإعادة فرض هيمنة أمنية تحت مسميات إنسانية.

 

الرؤية المستقبلية البديلة

ورغم دعوات بعض الدبلوماسيين (مثل إيزدين فيشر) الذي يقترح “وصاية مصر على غزة” كحل مؤقت، لا ترى حماس ذلك منفذًا إلا عبر إجراءات سياسية مشروطة ومستقلة وشفافة، وليس تحت الوصاية العسكرية أو السياسية للمخابرات المصرية  .

هنا تظهر حماس كقوة تحمل إرثًا نضاليًا، لا تحتمل انتقالًا واضحًا للقرار إلى أي جهة تريد إقصاءها.

وفي النهاية فإن النظام يظهر تباينًا صارخًا بين الخطاب الإعلامي الدعائي وممارساته القمعية الداخلية، ويستغل ملف غزة شعبيًا، بينما يقصي أو يضيق حركة الأفراد والوسائل المدنية التي تعمل لصالح الفلسطينيين ضمن أراضيه، يحتال على مواقف المعارضة عبر صيغ شعبوية تكاد تُخفي السجن السياسي وغياب حرية التعبير.

بينما حماس تحافظ على ثباتها رغم الضغوط والمساومات، وتعبر عن صوت حقيقي للشعب الفلسطيني والمصري على حد سواء، مشكلة نموذجًا تنفذه وتحمل أهلية القضية على الصعيدين الشعبي والسياسي.

بهذا النزف المفتوح في أول أغسطس، يظهر نظام السيسي أنه لا يمثل ثوابت شعبه، بينما تقف حركة المقاومة إحدى رموز الصمود تحت وطأة محاولات تجريدها من الشرعية والمقاومة.

هي لحظة محورية تعيد ترتيب التوازنات بين السلطة والمجتمع، بين الإعلام والقمع، بين من يقدّر المقاومة بحق ومن يسعى إلى طمسها باسم اتفاقات السلام المشبوهة.

كما أن طمس دور حماس لا يعني السلام، بل يعني استمرارًا لمشروع التهميش العنيف الذي يضع مستقبل غزة وشعبها في خطر دائم وحماس، رغم كل ما واجهته من التحريض والمعارضة، ظلت الصوت الأصيل والموقف الواضح لقيم التضامن والنصر.