لا تزال قرية البداري التابعة لمحافظة أسيوط تعيش أجواء الحزن والصمت الموجع، بعد أن فجعت العائلات بنبأ غرق مركب للهجرة غير النظامية كان يحمل عشرات الشباب من أبناء المركز، أثناء محاولتهم الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر السواحل الليبية، في رحلة محفوفة بالمخاطر ومغلفة بالأمل الكاذب.
في يوم الثاني من يوليو 2025، غادر عدد من شباب البداري أراضيهم متوجهين إلى ليبيا، بترتيب مسبق من سماسرة الهجرة غير الشرعية، تمهيدًا للعبور إلى اليونان ومنها إلى "حياة أفضل". لكن الحلم لم يكتمل، فبعد عشرين يومًا، وتحديدًا في 22 يوليو، وصلت الأخبار المفجعة: المركب غرق قبالة السواحل الليبية، والضحايا بالعشرات، بعضهم انتُشل، والبعض الآخر لا يزال في عداد المفقودين.
أسر الضحايا: الغياب أقسى من الموت
في مقطع فيديو متداول، يُسمع أحد أهالي الضحايا يقول بحرقة: "فيه ناس لسه مفقودين، وإحنا مش عارفين هما عايشين ولا ماتوا.. فيه ناس قالت إنهم سافروا ووصلوا، بس الحقيقة ضايعة وسط الكلام".
ورغم مضي أيام على الحادث، لا تزال الأسر في انتظار خبر حاسم، إما يؤكد الوفاة أو يمنح بصيص أمل بأن أبناءهم لا يزالون أحياء، ربما تم إنقاذهم ولم يتم التواصل معهم بعد. ويضيف أحد الأهالي: "كل اللي نعرفه إن المركب غرق، والناس اللي فيه انقطعت أخبارهم.. مش قادرين نصدق أو نرتاح".
3 جثامين وجنازات دامعة في أسيوط
في تطور مؤلم، أعلن فرع مؤسسة "العابرين" في ليبيا، وهي منظمة غير حكومية مختصة بمتابعة وإنقاذ المهاجرين، عن العثور على جثامين 3 من ركاب المركب الغارق، وتم التنسيق مع السلطات الليبية لترحيل الجثامين إلى مصر، حيث شُيّعت الجنازات وسط حشود ضخمة من الأهالي الذين غلبهم البكاء والصراخ.
لكن خلف كل جنازة، عشرات الأمهات ينتظرن على أمل أن لا تُضاف أسماء جديدة لقائمة الضحايا. فالغموض يخيّم على مصير عدد كبير من الركّاب الذين لم يُعثر عليهم حتى اللحظة.
قوارب الموت.. حين يُصبح البحر أهون من الوطن
وراء كل مركب غارق، حكايات مأساوية متكررة: شاب لا يملك ثمن زواج، أو أب عاجز عن توفير طعام أطفاله، أو خريج جامعي لم يجد عملًا منذ سنوات. في بلد مثل مصر، حيث ترتفع معدلات الفقر والبطالة، وتغيب فرص الحياة الكريمة، تصبح المغامرة بحياة الفرد خيارًا لا بديل له.
فالفقر ليس رقمًا في تقارير حكومية، بل مأساة يومية يعيشها الملايين، تدفع البعض لركوب البحر رغم علمهم أن الموت أقرب من الوصول. تقول إحدى الأمهات وقد اغرورقت عيناها بالدموع: "قال لي هسافر وهشتغل وأبعتلك فلوس.. دلوقتي حتى مش عارفة هو فين".
أزمة متكررة.. وحلول غائبة
حادثة مركب ليبيا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ما دامت الأسباب قائمة: الفقر، القمع، غياب العدالة الاجتماعية، وتضييق سبل الأمل أمام الشباب. ورغم ما تعلنه الدولة من جهود لمكافحة الهجرة غير النظامية، فإن جذور الأزمة أعمق من أن تُحل بالإجراءات الأمنية.
فما لم تكن هناك سياسات اقتصادية واجتماعية حقيقية تستهدف تحسين واقع الشباب، سيظل البحر خيارهم الأخير، والموت رفيق أحلامهم.
الفيديو:
https://www.facebook.com/cairo24/videos/760950359956383/