كشفت تحقيقات أمنية في السودان عن انتقال محتمل لخطوط إنتاج حبوب الكبتاغون من سوريا إلى الأراضي السودانية، في ظل انهيار نظام بشار الأسد، ووسط ظروف الحرب الأهلية المشتعلة بين الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في تطور خطير يعكس تحولات عميقة في خريطة صناعة المخدرات الإقليمية.
الاكتشاف الذي جرى في عمق منطقة صناعية نائية شمال العاصمة الخرطوم، أعاد إلى الواجهة واحدة من أخطر الأزمات العابرة للحدود: إمبراطوريات المخدرات التي تتغذى على الحروب، وتتوسل ميليشيات مسلحة، وتعبر من خلال ممرات شحن تبدو رسمية.
وفيما توجَّه أصابع الاتهام مجددًا إلى أبوظبي، تتعزز الشبهات حول دور إماراتي مزدوج: داعم مالي ولوجستي لميليشيا الدعم السريع، ومساهم - مباشرة أو غير مباشرة - في استمرار سلاسل توريد الكبتاغون، أحد أخطر المخدرات التي تضرب المجتمعات العربية.
من دمشق إلى الخرطوم: نهاية معقل وبداية شبكة جديدة
حتى نهاية عام 2023، كانت سوريا – بغطاء من النظام ومخابراته – تشكّل المحور الأول لصناعة الكبتاغون في المنطقة. تقارير أممية وأخرى استخباراتية وثّقت دور وحدات من الجيش السوري، ومراكز بحوث علمية، ومرافئ تسيطر عليها عائلات نافذة، في تشغيل وإدارة معامل الكبتاغون وتصديره إلى الخليج وأفريقيا.
لكن مع الانهيار المفاجئ للنظام في ديسمبر الماضي، تعطلت سلاسل الإمداد، ودُمرت أو فُككت عشرات المختبرات. هذا الفراغ فتح الباب أمام شبكات التهريب للبحث عن ملاذ جديد. وجدت ضالتها في السودان: دولة غارقة في الفوضى، أمن هش، وسلطة مركزية شبه معدومة.
وفي منطقة الجيلي، شمال الخرطوم بحري، داهمت قوة أمنية موقعًا يُعتقد أنه أحدث مركز لتصنيع الكبتاغون في أفريقيا. المصنع، بحسب مصادر ميدانية، جهّز بمعدات متقدمة قادرة على إنتاج ما يصل إلى ألف قرص في الساعة، وتم تحصينه بحقول ألغام، ما يشير إلى أهميته الاستراتيجية لقوات الدعم السريع التي تحرسه.
دلائل الشحن: صناديق من دبي وآلات سورية الطابع
عند تفتيش الموقع، عُثر على صناديق شحن مدوّنة باسم شركة إماراتية مقرها دبي:
Amass Middle East Shipping Services. لم يتمكّن المحققون من تتبع أرقام الشحن، فيما امتنعت الشركة عن الرد على الاستفسارات.
عُثر أيضًا على عبوات كيميائية موسومة بأنها “مكملات بيطرية” سورية المنشأ، ما يؤكد استمرار اعتماد الشبكات الجديدة على المواد الخام السورية، أو على الأقل على مصادر التصنيع السابقة في ضواحي دمشق.
الخبيرة في شؤون تهريب الكبتاغون، كارولين روز، أشارت إلى أن الآلات التي صُودرت مطابقة لتلك التي عُثر عليها سابقًا في مختبرات سورية جرى تفكيكها عقب انهيار النظام، ما يعزز فرضية انتقال تقني مباشر من دمشق إلى الخرطوم.
الخليج تحت التهديد: هل السوق السعودي هو الهدف؟
رغم التكتم الرسمي، ترجّح مصادر أن يكون الهدف الأساسي من المصنع المكتشف هو التصدير إلى منطقة الخليج، خصوصًا السعودية، التي تُعد أكبر سوق استهلاكي لحبوب الكبتاغون عالميًا.
أحد المؤشرات اللافتة وجود حفرة عميقة داخل المجمع يُعتقد أنها استخدمت كمخزن كبير، في إشارة إلى نوايا تصديرية وليس إنتاجًا محليًا فقط.
ومنذ عام 2015، شهد السودان عدّة محاولات لتأسيس مختبرات لتصنيع الكبتاغون، لكن الخطورة الحالية تكمن في التوسع النوعي والكمي، وظهور شبكة متكاملة تمتلك المواد الخام، المعدات، الحماية المسلحة، وربما الدعم الخارجي.
تورط إماراتي؟ الأدلة تتكامل والأسئلة تتصاعد
في ظل السجال الدولي بشأن دعم أبوظبي لقوات الدعم السريع، تأتي هذه الوقائع لتضيف بُعدًا جديدًا للمساءلة.
هل تتحمل الإمارات، عبر شركاتها الخاصة أو بدعم رسمي، مسؤولية تغذية شبكة تهريب الكبتاغون الجديدة؟
يشير مراقبون إلى أن ميناء جبل علي يشكّل منذ سنوات ممرًا آمنًا لشحنات الكبتاغون، كما أن هناك تقارير متقاطعة عن تزويد الدعم السريع بالسلاح والمال من الإمارات، ما يفتح الباب أمام فرضية "الدعم المركّب": سلاح مقابل النفوذ، وشحن مقابل السكوت.