شهد طريق "كفر داوود – السادات" بمحافظة المنوفية، حادث تصادم مروّع أصيب فيه 12 شخصًا، بينهم 11 فتاة وسائق ميكروباص، أثناء توجههم إلى عملهم في أحد مصانع المواد الغذائية بمدينة السادات الصناعية.

وبحسب شهود عيان، فقد وقع الحادث إثر اختلال عجلة القيادة بيد السائق، ما أدى إلى انحراف السيارة بشكل مفاجئ واصطدامها بجانب الطريق، وسط صرخات الركّاب وحالة من الذعر الشديد داخل المركبة. وتم نقل المصابين جميعًا إلى مستشفى السادات العام لتلقّي الإسعافات والرعاية الطبية اللازمة.

مصدر مسؤول في المنطقة الصناعية أفاد بأن المصابات يعملن في إحدى شركات الصناعات الغذائية الكبرى هناك، في مناوبة صباحية تبدأ مع الفجر، وهي الرحلة التي يقطعنها يوميًا في ظل ظروف نقل غير آدمية، وغياب شبه تام لوسائل السلامة.

 

الدماء على الأسفلت.. واقع يفضح "التحول الحضاري"

يأتي هذا الحادث ليطرح مجددًا تساؤلات جدية حول سلامة منظومة النقل، خاصة في ظل الترويج الحكومي المستمر لما يُسمى "النهضة في البنية التحتية"، والتي وُصفت مرارًا بأنها "الأفضل في إفريقيا" حسب تصريحات رسمية.

لكن الواقع – كما يعكسه هذا الحادث – يتناقض مع الصورة المعلنة، إذ لا يكاد يمر يوم دون أن تتداول الأخبار والمواقع مشاهد الحوادث والضحايا. فوفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سجلت مصر في عام 2022 أكثر من 7,000 حالة وفاة نتيجة لحوادث الطرق، إلى جانب عشرات الآلاف من المصابين، في أرقام تُعد من الأعلى عالميًا.

ويرى خبراء أن هذه الإحصاءات لا تعكس حجم الكارثة الفعلي، مشيرين إلى غياب الشفافية الحكومية في نشر البيانات المحدثة، خاصة فيما يتعلق بالحوادث التي تقع في المناطق النائية، أو تلك التي لا يتم توثيقها إعلاميًا أو رسميًا.

ويُحذّر المختصون من تركيز خطة تطوير الطرق على "الشق الإنشائي" فقط، مع إهمال العناصر المكمّلة للسلامة، مثل العلامات الإرشادية، الحواجز الأمنية، مخارج الطوارئ، وأماكن الانتظار الآمن.

أحد المهندسين العاملين في مجال الطرق، فضّل عدم ذكر اسمه، قال: "الأسفلت وحده لا يحمي الأرواح. نحن بحاجة إلى منظومة متكاملة تبدأ من التخطيط وتنتهي بالتنفيذ والصيانة، مرورًا بالرقابة والمحاسبة".

 

الانتقادات تتصاعد.. والمحاسبة غائبة

في الوقت الذي تستمر فيه هذه الحوادث، تتصاعد حدة الانتقادات الموجهة للحكومة، بسبب ما يعتبره البعض "انفصامًا" بين الخطاب الرسمي المتفاخر بالإنجازات، وبين الواقع المؤلم للمواطنين الذين يدفعون الثمن يوميًا.

ويتساءل مواطنون ومراقبون: ما جدوى الإنفاق على كباري ومحاور عملاقة، إذا كانت رحلة العمل اليومية بالنسبة لعشرات الآلاف من الفتيات والعاملين محفوفة بالموت؟ وكيف يمكن لمشروعات بالمليارات أن تُنفذ دون اشتراطات صارمة للسلامة أو محاسبة واضحة للمقصرين؟

ويختتم أحد الخبراء في السلامة المرورية حديثه قائلاً: "لدينا بنية تحتية على الورق، ومشروعات مبهرة في الإعلام، لكن التنفيذ على الأرض يفتقر إلى المهنية، والنتيجة أن دماء الأبرياء لا تزال تُراق على طرق تم افتتاحها باحتفالات صاخبة، ثم تُركت بلا صيانة ولا رقابة".