حمّل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية كارثة إنسانية غير مسبوقة يعيشها سكان قطاع غزة، مؤكدًا أن ما يُروّج له من عمليات "إنزال جوي للمساعدات الإنسانية" لا يُعدو كونه فصلًا جديدًا من سياسة الإذلال الجماعي، وإعادة إنتاج لمنظومة استعمارية تتلاعب بالحد الأدنى من شروط البقاء.
وقال المرصد في بيان صحفي إن استئناف عمليات إنزال المساعدات من الجو بعد أشهر من التجويع الشامل لا يمثل بأي حال استجابة إنسانية حقيقية، بل يوظّف في إطار التغطية الإعلامية لجرائم إسرائيل المستمرة بحق سكان القطاع، وتجميل لصورة قاتمة تتسم باستخدام الجوع كسلاح جماعي وممنهج ضد 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في ظروف غير إنسانية، في أقل من 15% من مساحة القطاع.
المساعدات من الجو.. قنابل مجازية جديدة
وحذّر المرصد من أن هذه الإنزالات الجوية، التي نُفّذت بموافقة إسرائيل، لم تلبِّ الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية أو الطبية للسكان، بل تسببت، كما في مرات سابقة، بإصابات مباشرة في صفوف المدنيين.
وأشار المرصد إلى أن الإنزالات الجوية التي تم تنفيذها سابقًا، حين كانت رقعة انتشار السكان أوسع نسبيًا، تسببت بإستشهاد 18 فلسطينيًا وإصابة العشرات، مما يوضح أن هذه العمليات، بدلًا من أن تنقذ الأرواح، باتت تشكّل تهديدًا إضافيًا على حياة المدنيين.
وهم الإغاثة.. والحقيقة القاتلة
يرى المرصد أن ما تقوم به إسرائيل من عمليات إنزال جوي للمساعدات ليس سوى محاولة لتسويق "وهم الإغاثة"، بينما تتواصل سياسة التجويع الممنهج وحرمان السكان من الغذاء والماء والدواء. كما شدد على أن ما يُقدّم من طرود هو أشبه بـ"الفتات المهين"، لا يرتقي إلى مستوى الحد الأدنى المطلوب لاحتواء الأزمة الإنسانية.
وبدلًا من فتح معابر برية آمنة ومنظمة، يجبر السكان على التزاحم في مناطق خطرة، والتعرّض للقصف في محاولاتهم المحفوفة بالموت لالتقاط طرود تلقى من السماء عشوائيًا، في مشهد يفتقر إلى أدنى معايير الإنسانية، ويجسّد علاقة استعمارية قائمة على الإذلال والسيطرة، لا على الإغاثة والعدالة.
استشهاد 55 حالة في أسبوع.. و1200 مسن قضوا جوعًا
أورد البيان أن الحصار الإسرائيلي المتواصل، والتجويع القسري الممنهج، أسفرا عن استشهاد 55 شخصًا خلال أسبوع واحد فقط نتيجة سوء التغذية، إلى جانب تقديرات بإستشهاد نحو 1200 مسن خلال الشهرين الماضيين، نتيجة نقص الغذاء والدواء، وسط انهيار كامل للمنظومة الصحية وتوقف معظم الخدمات الطبية الحيوية.
"مؤسسة غزة الإنسانية".. أداة إذلال لا إغاثة
ندد المرصد بالدور الذي تقوم به ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي فُرضت من قبل إسرائيل لإدارة توزيع المساعدات. وقال إن المؤسسة تعمل خارج أي إطار إنساني أو قانوني، وتحوّلت إلى أداة لإدارة الإذلال الجماعي والتحكم العسكري بالمساعدات، وتستخدم نقاط التوزيع كساحات قتل جماعي كما ظهر في حوادث موثقة، ما يجعلها جزءًا من منظومة السيطرة وليس من منظومة الإغاثة.
دعوة لفتح ممرات آمنة وإلغاء الإنزالات العشوائية
طالب المرصد الأورومتوسطي بضرورة وقف عمليات الإنزال الجوي فورًا، وإنهاء دور "مؤسسة غزة الإنسانية"، والعمل على فتح ممرات برية آمنة وثابتة، بإشراف منظمات أممية معترف بها، تتيح تدفقًا منتظمًا وكافيًا للغذاء والدواء والوقود. كما دعا إلى استعادة آليات توزيع المساعدات السابقة التي كانت تضم نحو 400 نقطة توزيع تحت إشراف الأمم المتحدة، قبل أن تعمل إسرائيل على تعطيلها عمدًا.
عندما يتحوّل الجوع إلى أداة إبادة
في نهاية التقرير، حذّر المرصد من أن استمرار الوضع الحالي في غزة يندرج تحت بند "الإبادة الجماعية"، حيث يُستخدم الجوع والتجويع كأدوات مباشرة لقتل المدنيين وإخضاعهم، ضمن سياسة منظمة وممنهجة تهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه، وتقويض شروط الحياة فيه.
وأكد المرصد أن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى طرود تُلقى عليه من السماء، بل إلى كرامة تُستعاد، وعدالة تُنصفه، وحقوق تُحمى، في مواجهة آلة قمعية تحاصر الحياة وتُعيد صياغة معاني الإغاثة على مقاس الاستعمار.