شركة المتحدة للصيادلة تُعتبر من الشركات الأكبر في قطاع الأدوية في مصر، حيث تسيطر على ثلثي سوق الأدوية المحلي، ما يجعلها دعامة رئيسية لتوفير الدواء للمواطنين.

في السنوات الأخيرة، برزت أزمة مالية حادة على الشركة، تمثلت في تراكم ديون رغم أن مديونيتها كانت بسيطة نسبياً، مما أثار تساؤلات وتكهنات عن وجود مخطط حكومي متعمد لإفشال الشركة تمهيداً لبيعها مستقبلاً للمستثمرين الخليجيين، ويرجح أن يكونوا إماراتيين.

حكومة الانقلاب، التي لديها القدرة على دعم الشركة مادياً بسهولة، لم تتدخل خلال أكثر من سنة لتقديم تسهيلات مالية، بل سمحت للشركة بالغرق في الديون والفوائد.

 

خلفية الأزمة

في الفترة من منتصف 2024حتى أوائل 2025، تصاعدت أزمة الشركة بشكل ملموس، مع بدء تقديم عدة دعوى إفلاس ضدها وتحذيرات من توقفها عن الدفع، بينما لم يظهر أي تحرك حكومي رسمي معلن لدعمها ماليًا أو إعادة هيكلتها.

في أواخر 2024أو بداية 2025، بدأت محكمة تجارية النظر في دعاوي مرفوعة ضد الشركة، وحددت مديونيات تجاوزت ١٠٠ مليون جنيه لشركة مدعية، وخسائر إضافية لموردين ومصنعين دواء، وإن لم يتم إصدار بيان رسمي من الدولة حتى الآن.

 

إشارات المستثمر الخليجي

في نحو مايو 2025، تم التسريب إعلاميًا عن اهتمام مستثمر عماني بسيط، لكن لاحقاً أشارت تصريحات إلى أن طرفاً إماراتياً يُعد من المرشحين للاستثمار أو الاستحواذ بالكامل، دون تأكيد رسمي من طرف الشركة.

خلال تلك الفترة، شهد الاقتصاد المصري أزمة نقد أجنبي تصاعدت فيها الدين الخارجي إلى مستويات قياسية (158 مليار دولار في مارس 2025).

 

الهدف الحقيقي.. التصفية

سياسة الربح الأجنبي والاستثمارات الخليجية غالباً ما تُرتبط بتسويات غير شفافة، مع تراجع الدعم الخليجى لمصر تدريجياً بعد 2021، يُستخدم بيع أصول استراتيجية كغطاء لجلب ودائع جديدة في غير سياق منافسة وطنية.

نظام السيسي لا يريد صيانة قطاع حيوي مثل سوق الدواء في مصر، وإنما خلق أزمة مدعومة قضائياً لسحق الشركة ثم بيعها.

تسليم طرف يسيطر على ثلث السوق إلى جهات خارجية هو قرار سياسي أولاً، وليس اقتصادي فقط، فالقرار يُتخذ من أعلى ممن فوق رقابة الشعب أو البرلمان.

 

الأزمة الاقتصادية..

منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي عام 2013، شهد الاقتصاد المصري ورغم تدخل صندوق النقد الدولي وصرف مليارات الدولارات، إلا أنه تكررت أزمات نقص السيولة، مع تراجع حاد في الاستثمارات الأجنبية، تفاقم الفقر، واستمرار الدعم غير الكافي للقطاعات الحيوية مثل شركات الأدوية التي تلعب دوراً أساسياً في توفير الدواء.

خبراء مثل حمدي البصير أشاروا إلى أن توقف المصانع وتقاعس القطاع الخاص يمنع النمو الاقتصادي ويزيد من ضعف الشركات الكبرى مثل المتحدة للصيادلة، وهي التي تحتاج إلى دعم مالي بسيط لكي تستمر في توريد الأدوية بأسعار معقولة.

 

هل كان الحل سهلاً؟

رغم أن مديونية شركة المتحدة للصيادلة ليست كبيرة مقارنة بحجم الشركة وأهميتها، إلا أن حكومة الانقلاب تغاضت عن تقديم أي دعم مالي واضح لها لأكثر من عام، مما أدى إلى تراكم الفوائد وتفاقم الأزمة المالية للشركة، وهو ما يضيف أعباء مالية إضافية بدلاً من تلافيها.

كان بالإمكان، بحسب خبراء اقتصاديين، تقديم تسهيلات مالية أو قروض ميسرة للشركة من قبل البنك المركزي أو وزارة المالية بسهولة، خاصة وأنها تمثل جزءاً حيوياً من قطاع الأمن الدوائي في مصر، لكن هذه الفرصة ضاعت بسبب إدارة سيئة ومتجاهلة لمصلحة الوطن والمواطنين.

هذا التجاهل يشير إلى وجود نية مقصودة لإضعاف الشركة لخلق مبرر لبيعها لاحقاً لمستثمرين خليجيين، خصوصاً إماراتيين، الذين باتوا يملكون قدرات مالية ضخمة تسمح لهم بالاستحواذ على شركات استراتيجية بأثمان بخسة، مما قد يؤدي إلى فقدان التحكم المحلي في قطاع دوائي حيوي.

أكثر من جهة اقتصادية وسياسية انتقدت سيطرة الجهاز العسكري وحلفائه على الاقتصاد المصري، حيث يشل هذا التحكم نمو القطاع الخاص الحقيقي ويثبط المستثمرين، ويترك الاقتصاد يدور في دائرة ديون متصاعدة وأداء ضعيف.

تقارير صندوق النقد الدولي التي ظهرت في السنوات الأخيرة أظهرت حجم الديون الخارجية المتزايدة التي وصلت إلى 181 مليار دولار، ووجود فجوات تمويلية كبيرة، مما يزيد الضغوط على الشركات المصرية الحيوية وعلى الأوضاع المعيشية للمواطنين.

في هذا السياق، تُرى عمليات بيع الأصول الحيوية والاستراتيجية إلى مستثمرين خليجيين على أنها جزء من سياسات اعتمدها النظام لتخفيف الضغوط المالية الاسمها "خصخصة قسرية" على حساب المصلحة الوطنية.

من خلال متابعة المؤشرات والآراء الاقتصادية والسياسية، يتضح أن أزمة شركة المتحدة للصيادلة ليست حالة معزولة بل جزء من سياسة عامة خلال حكم قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، تتجه إلى تقليص دور الشركات المحلية الحيوية، وتحويلها تدريجياً لامتلاك أجنبي، خصوصاً خليجي، عبر تراكم الديون المتعمد وعدم المساندة المالية رغم الإمكانيات الحكومية المتاحة.

هذا الأمر يهدد الأمن الدوائي لفئات كبيرة من المصريين، ويزيد من معاناة المواطنين في ظل تضخم أسعار الأدوية وغلاء المعيشة، كما يعكس فشل السياسات الحكومية في إدارة الاقتصاد الوطني، رغم ضخ دعم خليجي مادي ملموس أثناء السنوات الماضية.