لقي مسؤول أمني رفيع مصرعه، فيما أُصيب اثنان من مرافقيه بجروح، إثر انقلاب سيارة شرطة كانت تقلّهم أثناء تنفيذ مأمورية عمل بمحافظة المنيا، في مشهد بات متكرراً ومأساوياً على الطرق السريعة.

الحادث الذي أودى بحياة اللواء عصام الدين عبد الله، مدير أمن الوادي الجديد، يعيد تسليط الضوء على الأرقام الصادمة لحوادث الطرق في البلاد، ويثير مجددًا تساؤلات حول فاعلية الخطط الحكومية في مواجهة "نزيف الإسفلت" المستمر.

وبحسب ما أفادت به مصادر فإن الحادث وقع صباح أمس الأحد، على الطريق الصحراوي الغربي قبل مدخل محور سمالوط الجديد بنحو كيلومتر واحد، عندما فقدت سيارة الشرطة التابعة لوزارة الداخلية السيطرة وانقلبت بشكل مفاجئ، مما أدى إلى وفاة اللواء عبد الله في الحال، متأثراً بإصابات شديدة في الرأس والصدر.

وكان برفقة المسؤول الأمني اثنان من أمناء الشرطة، هما عبد الرحمن فرغلي (37 عاماً) وياسين تهامي (42 عاماً) من محافظة أسيوط، وقد أُصيبا بجروح متوسطة وخضعا للعلاج بمستشفى سمالوط التخصصي، وأفاد الفريق الطبي المشرف على حالتهما بأن وضعيهما مستقر حتى الآن.

وفور وقوع الحادث، توجهت قيادات أمنية وتنفيذية رفيعة إلى المستشفى لمتابعة حالة المصابين، فيما نُقلت جثة اللواء إلى مشرحة مستشفى سمالوط النموذجي، وسط حراسة مشددة، بحضور فريق من النيابة العامة الذي باشر المعاينة الميدانية، وفتح تحقيقاً في أسباب وملابسات الحادث.

 

مصرع متكرر... واتهامات مكررة

تأتي هذه الحادثة ضمن سلسلة لا تنتهي من الكوارث التي تشهدها الطرق رغم ما تروّج له الحكومة من إنجازات في ملف البنية التحتية وشبكة الطرق، والتي توصف إعلاميًا بأنها "الأفضل في إفريقيا". وعلى الرغم من استثمارات تقدّر بعشرات المليارات من الجنيهات ضمن ما يُعرف بـ"خطة التحول الحضاري"، فإن الواقع على الأرض لا يزال يعج بالحوادث القاتلة.

فبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سجّلت مصر في عام 2022 وحده أكثر من 7,000 وفاة ناتجة عن حوادث السير، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الإصابات. ويرى مراقبون أن هذه الأرقام - على ضخامتها - لا تعكس الحجم الحقيقي للمأساة، خاصة مع غياب الشفافية في نشر البيانات المحدثة، وتكرار الحوادث في المناطق الريفية والنائية.

 

ثغرات قاتلة في منظومة السلامة

يرجع خبراء أسباب استمرار هذه الحوادث إلى جملة من الثغرات في منظومة السلامة المرورية، أبرزها غياب الصيانة الدورية للطرق، وضعف الرقابة على المركبات العامة، وتفشي الفساد في إجراءات الفحص الفني وتراخيص القيادة، إلى جانب انخفاض معايير التأمين الفني للمركبات التابعة للجهات الحكومية، بما فيها سيارات الشرطة.

ويحذّر مختصون في هندسة الطرق والنقل من تجاهل العناصر غير الإنشائية في خطة تطوير الطرق، مثل العلامات الإرشادية، ومخارج الطوارئ، وأماكن الانتظار الآمن، وشبكات الإضاءة الليلية، مؤكدين أن "الأسفلت وحده لا يكفي لإنقاذ الأرواح".

 

الحكومة في مرمى النقد

في مقابل استمرار نزيف الطرق، تتصاعد الانتقادات الموجّهة للحكومة، خصوصاً مع تركيز الخطاب الرسمي والإعلامي على "الافتتاحات الكبرى" و"المظهر الحضاري"، دون التطرّق للقصور في التنفيذ، أو التراخي في الإشراف على شركات المقاولات، أو التأخر في تطبيق معايير الأمان الصارمة.

ويقول أحد الخبراء في السلامة المرورية، فضل عدم الكشف عن اسمه: "لدينا مشروعات ضخمة على الورق، لكن التنفيذ على الأرض يفتقر للمهنية، وفي ظل غياب الرقابة الفعالة والمحاسبة، ستظل دماء الأبرياء تُراق على طرق نُفذت بمليارات الجنيهات".