أعلن القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد البلتاجي، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام داخل محبسه في سجن بدر 3 شرق القاهرة، احتجاجاً على ما وصفه بـ"الانتهاكات غير الإنسانية" التي يتعرض لها هو وعشرات السجناء السياسيين منذ أكثر من عقد من الزمن.

وفي رسالة مسرّبة كتبها البلتاجي بتاريخ الأول من يوليو 2025، أكد خلالها أنه بدأ إضرابه المفتوح عن الطعام، معلناً استعداده للمضي فيه حتى الموت، ما لم تتوقف "الممارسات القمعية والتعذيب الممنهج" بحق المحتجزين.

قال البلتاجي:
"أنا الأستاذ الدكتور بكلية الطب – جامعة الأزهر، وعضو البرلمان الأسبق، والمعتقل بسبب موقفي السياسي منذ عام 2013، أعيش مع 57 من زملائي في ظروف لا تليق بالبشر. ثماني سنوات لم نرَ فيها الشمس ولا السماء، ولم نلمس أي شكل من أشكال الحياة الطبيعية. محرومون من الصحف، والراديو، والتلفاز، ومنعوا عنا الزيارات والاتصالات والرسائل، حتى إننا لا نعلم بوفاة أهلنا إلا بعد سنوات من حدوثها".

 

إضراب يتجاوز الاحتجاج الشخصي
البلتاجي أكد في رسالته أن إضرابه ليس فرديًا بل هو ضمن سلسلة إضرابات يشهدها السجن، قائلًا:
"انضممت إلى قائمة المضربين عن الطعام داخل القطاع منذ الأول من يوليو الجاري، وسأستمر في إضرابي حتى الموت إن لم تتغير هذه الأوضاع غير الإنسانية... ما نتعرض له من تنكيل لا مثيل له في أي سجن في العالم، ولا حتى في دولة الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف أن ما يجري له ولرفاقه هو "عقاب سياسي" بسبب دورهم في ثورة 25 يناير 2011 ورفضهم للانقلاب على التجربة الديمقراطية.

 

سجل نضالي ومسيرة سياسية حافلة
ولد محمد البلتاجي عام 1963 في مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة، وتعرّف مبكرًا إلى جماعة الإخوان المسلمين خلال دراسته الثانوية بالإسكندرية. تخرج في كلية الطب بجامعة الأزهر، وحصل على الماجستير ثم الدكتوراه، وتدرّج في المناصب الأكاديمية حتى أصبح مدرسًا بكلية الطب.

في البرلمان، برز البلتاجي كأحد المدافعين الشرسين عن الحريات وحقوق الإنسان، وانتُخب نائبًا عن دائرة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية عام 2005. كان من المؤسسين لحملة "مصريون ضد التوريث"، ونشط في دعم القضية الفلسطينية، وشارك في "أسطول الحرية" عام 2010.

بعد ثورة يناير، كان من أبرز وجوه ميدان التحرير، وشارك في الجمعية التأسيسية التي صاغت دستور 2012، ثم انتُخب عضوًا في مجلس الشعب مرة أخرى وعضوًا في لجنة الدفاع والأمن القومي.

 

اعتقال وملاحقات قضائية غير مسبوقة
في أعقاب عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، شارك البلتاجي في اعتصام رابعة العدوية، حيث استشهدت ابنته أسماء خلال فض الاعتصام في 14 أغسطس 2013. واعتُقل لاحقًا في 29 أغسطس من العام نفسه، ووجهت إليه سلسلة من التهم السياسية.

صدرت بحق البلتاجي أحكام وصلت إلى 219 سنة سجنًا، بالإضافة إلى 12 حكمًا بالإعدام، معظمها في قضايا وصفتها منظمات حقوقية دولية بأنها "تفتقر لمعايير العدالة والنزاهة القضائية"، حيث تحدثت تقارير عن "انتزاع اعترافات تحت التعذيب ومحاكمات استثنائية غير عادلة".

 

من طرة إلى بدر 3: العزلة الكاملة
قضى البلتاجي سنوات في الحبس الانفرادي بسجن طرة، قبل أن يُنقل في منتصف عام 2022 إلى سجن بدر 3، حيث تستمر معاناته وفق ما تشير إليه منظمات حقوقية، مؤكدة أنه محتجز في ظروف تفتقر لأبسط الحقوق، منها منع الزيارة، والحرمان من التريض، وغياب الرعاية الطبية.

وفي يونيو 2024، بدأ أول إضراب عن الطعام احتجاجًا على هذه الأوضاع، قبل أن يستأنفه في يوليو الجاري بشكل مفتوح. ولفتت منظمات دولية إلى تصاعد "موجة انتحارات داخل سجن بدر 3" خلال الأشهر الماضية، وهو ما يعكس بحسب مراقبين "انهيارًا تامًا في الأوضاع الإنسانية".

 

نداء استغاثة للعالم
اختتم البلتاجي رسالته بنداء إنساني:
"أكرر ندائي... إن كل ما يجري لنا من تعذيب ممنهج ليس إلا انتقامًا من مواقفنا خلال الثورة. نناشد أحرار العالم أن يرفعوا أصواتهم لوقف هذا الظلم، والقهر، والطغيان".

في ظل الصمت الرسمي واستمرار الانتهاكات الحقوقية، تبقى قضية محمد البلتاجي نموذجًا صارخًا لمعاناة مئات السجناء السياسيين وصرخة مفتوحة تنتظر من يسمعها.