في 23 يوليو من كل عام، تتجدد النقاشات حول ما إذا كانت ثورة يوليو 1952 لحظة تحرر وطني أم بداية لانهيار الحريات والديمقراطية في مصر، الذكرى الثالثة والسبعين لهذا الحدث التاريخي الكبير جاءت هذا العام مصحوبة بسجال حاد على منصات التواصل الاجتماعي، بين رجل الأعمال نجيب ساويرس والنائب والإعلامي المحسوب على نظام الانقلاب المصري مصطفى بكري، أعاد فتح ملفات الماضي والحاضر.
ساويرس.. "بداية رحلة السقوط"
أطلق رجل الأعمال نجيب ساويرس تغريدة مثيرة للجدل في 23 يوليو 2025 عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، قال فيها: "اليوم ذكرى اليوم الذي بدأت فيه مصر رحلة السقوط والفشل الاقتصادي وقمع الحريات ودفن الديمقراطية، وأثارت تصريحاته ردود فعل واسعة بين مؤيدين يرون أن تجربة حكم العسكر أدت إلى تراجع الحريات وتدهور الاقتصاد، وبين معارضين يرون في ثورة يوليو لحظة فخر وتحرر وطني من التبعية والاستعمار.
مصطفى بكري يرد.. "عودة مصر لأهلها"
الإعلامي مصطفى بكري المحسوب على نظام الانقلاب المصري، المعروف بدفاعه المستمر عن ثورة يوليو، لم يتأخر في الرد. كتب بكري عبر حسابه الرسمي على "إكس": "أقول لساويرس وكل ساويرس، اليوم ليس يوم السقوط، بل هو بداية عودة مصر إلي أهلها، والتحرر من السيطرة الاستعمارية والإقطاعية والرأسمالية."
وأضاف في تغريدات لاحقة أن مصر قبل يوليو 1952 كانت "دولة تابعة للإنجليز، يحكمها الملك فاروق وأسرته، ويهيمن الإقطاعيون على الأراضي، والرأسماليون على الثروات".
الأبعاد الاقتصادية: أرقام بين النجاح والفشل
منذ 1952 وحتى اليوم، مر الاقتصاد المصري بتحولات كبيرة، من قرارات التأميم ومجانية التعليم في عهد جمال عبد الناصر، إلى الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات، ثم الخصخصة في عهد مبارك، وصولًا إلى مشروعات البنية التحتية الكبرى في عهد السيسي.
بحسب تقرير البنك الدولي لعام 2024، بلغ الدين الخارجي لمصر 165 مليار دولار، بينما كان لا يتجاوز مليار دولار في خمسينيات القرن الماضي. من جهة أخرى، تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن نسبة الفقر ارتفعت إلى 32.5% في عام 2023.
يرى بعض الاقتصاديين أن السياسات الاقتصادية منذ 1952 قامت على تدخل الدولة المفرط في السوق، ما أدى إلى تآكل القطاع الخاص وغياب المنافسة، وهو ما أشار إليه نجيب ساويرس في أكثر من مناسبة.
الحريات والديمقراطية.. من الأحزاب إلى القبضة الأمنية
يرى منتقدو نظام يوليو أن من أبرز نتائج "الثورة" حل الأحزاب السياسية، وإنهاء الحياة البرلمانية التعددية، وفرض حكم الفرد الواحد، وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي عمرو الشوبكي في تصريح لموقع "مدى مصر": "يوليو 1952 دشنت دولة سلطوية مغلقة، ورغم بعض الإنجازات الاجتماعية، فإنها لم تسمح بتأسيس حياة ديمقراطية حقيقية."
وفي المقابل، يرى مؤرخون أن الثورة كانت استجابة لتحديات موضوعية في ذلك الوقت، خاصة بعد نكبة 1948، وفساد الحكم الملكي، واحتلال الإنجليز لقناة السويس.
الجانب الاجتماعي: مجانية التعليم وتمكين الفقراء
لا يمكن إنكار بعض إنجازات الثورة على الصعيد الاجتماعي، إذ أدت إلى قانون الإصلاح الزراعي عام 1952، والذي حدد الملكية الزراعية بـ200 فدان، مما ساعد على إعادة توزيع الأراضي على صغار الفلاحين.
كما أُقرت مجانية التعليم في جميع المراحل، وهو ما ساهم في صعود طبقات اجتماعية جديدة إلى مواقع التأثير، ويقول الدكتور حسام بدراوي، القيادي السابق بالحزب الوطني: "التعليم المجاني خلق جيلاً من المهنيين والأطباء والمهندسين، لكنه لم يكن مستداماً من حيث الجودة والاستثمار."
الإعلام والمجتمع.. انقسام بين "ثورة الفقراء" و"انقلاب العسكر"
الجدل الحالي يعكس انقساماً مجتمعياً متجذراً بين من يرى في 23 يوليو ثورة للفقراء ومن يعتبرها انقلاباً عسكرياً أطاح بالحياة المدنية، وقد علق الكاتب الصحفي سليمان جودة على السجال قائلًا: "ما قاله نجيب ساويرس ليس جديداً، لكنه يعكس شجاعة في كسر التابوهات، والمطلوب اليوم أن نُقيّم التاريخ بموضوعية، بعيدًا عن التقديس أو التبخيس."
هل حسم التاريخ الجدل؟
في ظل غياب نقاش حر ومنفتح في مؤسسات التعليم والإعلام الرسمية حول تقييم ثورة يوليو، يبقى الجدل محصوراً بين النخب والمواقع المستقلة ومنصات التواصل. ويقول الباحث خالد فاهمي في محاضرة بمعهد الدراسات المتقدمة: "الحديث عن الثورة يجب أن يكون حديثاً عن تعقيدات الواقع، لا عن أسطورة أو خيانة، فثورة يوليو بها ما يُحتفى به وما يُنتقد."
ثورة تحت المجهر..
مع مرور 73 عامًا على ثورة يوليو 1952، لا يزال المصريون منقسمين في تقييم نتائجها، ما بين من يحتفل بها كذكرى للتحرر من الاستعمار وبداية العدالة الاجتماعية، ومن يراها لحظة تأسيس لنظام قمعي سلطوي، يظل الجدل مثل كل عام: حيًّا، متجددًا، ومثيرًا.
وقد يكون السجال بين ساويرس وبكري هذا العام، مجرد تجسيد علني لذلك الصراع الفكري العميق في وجدان المصريين، حول سؤال لا يزال بلا إجابة نهائية: هل كانت يوليو ثورة شعب أم انقلاب ضباط؟