عاد الكاتب مؤخرًا من مهمة في سوريا، حيث تنقّل بين مسقط رأسه السويداء والعاصمة دمشق. بعد مغادرته في 22 يونيو، لم يتخيل أن العودة ستكون إلى واقع مغاير تمامًا، إذ اجتاحت مسقط رأسه موجة عنف طائفي أودت بحياة المئات من أبناء الطائفتين الدرزية والمسيحية. وصلت الأخبار تباعًا: أصدقاء وأقارب قُتلوا في منازلهم، أطباء استُهدفوا أثناء تنقلهم، وأحياء كاملة نُهبت ودُمرت.
بحسب أتلانتيك كاونسل، أسهمت القوى الدولية والمحلية في تبسيط الوضع، ووصفت الصراع بأنه مجرد "خلاف" بين الدروز والبدو، كما ادّعت الحكومة السورية أن تدخلها هدفه احتواء التوتر الطائفي. لكن هذا التوصيف يُغفل الجذور السياسية والتاريخية للعنف، إذ تعاني السويداء من التهميش منذ عقود.
السويداء.. خصوصية سياسية وتهميش مستمر
حافظت السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، على استقلالية نسبية منذ عام 2014، بعدما رفض أبناؤها الانخراط في صفوف جيش النظام. شهدت المحافظة هجومًا من تنظيم داعش في 2018، ما دفع المجتمع المحلي لتشكيل مجموعات مسلحة للدفاع الذاتي. وفي عام 2023، تبنّى الشيخ حكمت الهجري انتفاضة مدنية ضد النظام، ما عزّز موقعه كقائد سياسي نافذ تفوّق على الزعامات التقليدية.
أدى سقوط بشار الأسد في نهاية 2024 إلى فراغ سياسي، استغلته هيئة تحرير الشام للسيطرة على دمشق، في ظل غياب خطة دمج فعّالة للمناطق الخارجة عن سيطرة الدولة. تسببت السياسات المركزية الجديدة، ذات الطابع الإسلامي، في تهميش السويداء مجددًا، وزادت من توجّس الأقلية الدرزية.
صراع الهويات والطائفية المتفاقمة
اتهم النظام الجديد الشيخ الهجري بالعمالة لإسرائيل، رغم عدم وجود أي دعم عسكري إسرائيلي ملموس. ساعد الردع الإسرائيلي سابقًا في منع اجتياح النظام للسويداء، لكن اليوم تُكرّر الحكومة الانتقالية ذات الرواية لتشويه صورة المقاومة الدرزية.
استبعدت السلطة الجديدة الزعامات المحلية من أي مشاورات سياسية، وأصرّت على فرض رؤية مركزية للدولة. اصطدمت هذه الرؤية بطروحات الهجري المطالبة بالعلمانية واللامركزية. بينما أيّد البعض التعامل مع الحكومة، تراجع هذا التيار خشية انقسام المجتمع.
التصعيد العسكري والكارثة الإنسانية
اندلعت شرارة الأحداث في يوليو حين وقعت عمليات خطف متبادلة بين البدو والدروز، تصاعدت سريعًا إلى قصف ومواجهات، أسفرت عن مقتل مدنيين بينهم أطفال. أعقب ذلك إعلان وزارتي الدفاع والداخلية نيتهما دخول السويداء "لإحلال الأمن"، ما فُسّر كموافقة إسرائيلية ضمنية على العملية، خاصة بعد استهداف الطيران الإسرائيلي لمواقع النظام لاحقًا.
أطلق الشيخ الهجري نداءً لحماية دولية، ثم أعلن تعبئة شعبية لمواجهة الهجوم. وقعت معارك عنيفة، وظهرت مقاطع توثّق انتهاكات بحق المدنيين، بينها عمليات إذلال، حرق منازل، وتعذيب. حاول الهجري احتواء الوضع عبر بيان مشترك مع القيادي جربوع يرحّب بوجود الدولة، لكن العنف استمر، ما دفعه للانسحاب والعودة إلى التعبئة.
الانهيار الكامل وتفكك الدولة
تكثف القصف الحكومي، واستخدمت الطائرات المسيّرة ضد المدنيين. أفادت تقارير بسقوط مئات الضحايا ودمار واسع. ردّت إسرائيل مجددًا بضربات استهدفت مواقع في دمشق والسويداء، بينها وزارة الدفاع والقصر الرئاسي. في خضم الفوضى، وقّعت الحكومة اتفاقًا مع جربوع يقضي بانسحاب القوات مقابل احتفاظ السويداء بقواتها المحلية، لكن الهجري رفض.
أدّى الانسحاب إلى انتشار صور ومقاطع تظهر مذابح مروّعة، بينها إعدامات ميدانية وعمليات ذبح وتنكيل، واستخدمت هذه المشاهد في حملة تحريضية صورت الصراع وكأنه اعتداء درزي على البدو. حفّزت هذه السردية دعوات للانتقام، ووقعت مجازر متبادلة، منها هجوم دموي على مجموعة بدوية في شهبا، قابلته بعض المجموعات المحلية بحماية النساء والأطفال ونقلهم إلى مسجد.
مع تصاعد العنف، أُحرقت أكثر من عشرين قرية درزية، وتدهورت الأوضاع المعيشية مع انقطاع الكهرباء والماء والوقود، وتعرضت مئات الطالبات والطلبة الدروز للتهديد في جامعاتهم. لم توقف الهدنة الأميركية العنف، واستمرّت الاعتداءات وعمليات الخطف والتصفية.
مستقبل غامض وواقع مأزوم
يرى الكاتب أن ما حدث في السويداء ليس صراعًا طائفيًا بل فرض مشروع سياسي إقصائي على مجتمع لا يثق في الدولة. استخدام خطاب الكراهية أدى إلى تطهير عرقي فعلي، والصراع لم يكن سببه الطائفية بل وظِّف طائفيًا لأهداف سياسية.
أصبح التواصل مع الأردن خيارًا إنسانيًا لا بديل عنه في ظل الحصار الكامل. لم تعد فكرة الدولة الموحدة واقعية بنظر كثيرين من أبناء السويداء. يعترف الكاتب بصعوبة تخيّل حل طويل الأمد، ويرى أن المنطقة في الوقت الراهن تتجه نحو كانتون معزول يعتمد على المساعدات الإنسانية، بانتظار أن تتوقف المجازر وتُرسم معالم التسوية النهائية.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/why-the-violence-in-my-hometown-sweida-goes-beyond-rivalry/