اعتقلت أجهزة أمن عبدالفتاح السيسي، خلال الأسابيع الماضية عددًا من الشباب والفتيات المتطوعين الذين شاركوا في جمع التبرعات لتأسيس "تكايا غذاء" في قطاع غزة، كانت توفر وجبات أساسية لعشرات الآلاف من الجوعى في القطاع المحاصر، في مشهد يعكس حجم التناقض بين صوت الضمير الإنساني وقيود السلطة.
وبحسب مصادر متعددة فقد أُفرج عن بعض المحتجزين بعد توقيعهم على تعهدات بعدم تكرار النشاط، في حين لا يزال عدد غير معلوم من المتطوعين قيد الاحتجاز دون توجيه اتهامات علنية أو إصدار بيانات رسمية من الجهات المعنية.
من رحم الحصار ووسط المجاعة.. ولدت التكايا
ظهرت مبادرات "التكايا المصرية" في غزة كاستجابة عاجلة لسياسة التجويع التي تتبعها إسرائيل عبر منع دخول المساعدات للقطاع، خاصة بعد تقليص دور منظمات كـ"الأونروا" و"المطبخ العالمي"، مما ضاعف من حدة المجاعة وترك ملايين الفلسطينيين يواجهون الجوع دون سند.
كان المتطوعون المصريون، وفق ما ورد في شهاداتهم، يقومون بجمع تبرعات من أقاربهم وأصدقائهم، ثم يرسلونها مباشرة إلى مجموعات شبابية داخل غزة تتولى تجهيز الطعام وتوزيعه على المحتاجين في مناطق متفرقة. لم تكن هناك جهة مركزية تنظم هذه التبرعات، بل اعتمدت على الثقة وروح التضامن والرقابة الذاتية.
لكن هذا الجهد الشعبي البسيط -رغم تأثيره العميق- تعرض لتوقيف مفاجئ وصارم، بعدما اعتقلت سلطات السيسي العديد من الناشطين في هذه المبادرات، بينهم فتيات في مقتبل العمر، ووجهت إليهم اتهامات بـ"العمل خارج القانون"، حسبما نقل شهود عيان ومقربون من المحتجزين.
نورا وليلى.. من المطبخ إلى التحقيق
"كنا نُطعم الجياع.. لم نحمل سلاحًا أو شعارًا سياسيًا".. بهذه العبارة بدأت "نورا" -اسم مستعار- حديثها بعد الإفراج عنها إثر أسابيع من الاحتجاز. أوضحت أنها وفريقها شكّلوا مبادرة أهلية بعد اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، وجمعوا تبرعات لتمويل تكايا الإطعام في غزة، خاصة بعد أن أغلقت إسرائيل المعابر ومنعت مرور المساعدات الدولية.
وأشارت إلى أن المبادرة لم تكن منظمة بشكل رسمي، لكنها كانت توثق كافة العمليات، من التحويلات إلى تسليم الطعام داخل القطاع، من خلال تسجيلات يومية ترسل من الداخل الفلسطيني تحمل التاريخ والبيانات.
نورا أوضحت أنها، ورفاقها، وُوجهوا أثناء التحقيقات باتهامات بجمع تبرعات غير قانونية وتحويل أموال إلى جهات غير معلومة. وعلى الرغم من أن بعض المحققين أبدوا "تعاطفًا إنسانيًا" مع جهودهم، فإنهم أصروا على توقيع تعهد بعدم الاستمرار في النشاط مقابل الإفراج.
أما "ليلى"، وهي متبرعة لم تكن ضمن القائمين على التوزيع، فقد فوجئت بإغلاق المجموعات التي كانت تتواصل معها عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وتوقف كل شيء فجأة. تقول بأسى: "الصور التي تصلنا من غزة كانت تقتلنا يوميًا.. أردنا فقط أن نوصل لقمة خبز".
احتجاز متواصل.. ومحاولات للتكتم
المعلومات تشير إلى أن عددًا آخر من النشطاء لا يزالون قيد الاحتجاز، ومنهم سيدة ترتبط قرابتها بأحد مؤسسي المبادرات. ورغم التطمينات التي تصل لأسرهم بأن "الأمر قيد التسوية"، فإن الإفراج لم يتم بعد، مع استمرار التعتيم الإعلامي وغياب أي توضيح رسمي.
مصادر أخرى تحدثت عن ضبط أفراد من مجموعتين رئيسيتين على الأقل كانتا تنسقان عمليات تمويل التكايا. ولم يُعرف على وجه الدقة عدد من تم التحقيق معهم أو لا يزالون قيد الاحتجاز.
مجاعة غزة.. أرقام مرعبة وصمت رسمي
وفي ظل هذا التوقيف القسري للمبادرات المدنية، تتصاعد المجاعة في قطاع غزة إلى مستوى الكارثة، إذ أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن 80% من ضحايا المجاعة هم من الأطفال، بينما توفي خلال يوم واحد فقط نحو 15% من مجموع ضحايا الجوع.
ووصل عدد الشهداء الذين سقطوا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات إلى أكثر من 1026 شهيدًا، بالإضافة إلى 6563 مصابًا، معظمهم أصيبوا برصاص جيش الاحتلال عند تجمعهم حول شاحنات الإغاثة.
من جانبها، حذرت وكالة "الأونروا" ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) من تدهور غير مسبوق في الأمن الغذائي، وأشارت إلى أن آلاف الأسر لا تتناول سوى وجبة فقيرة واحدة في اليوم، بل إن بعض العائلات تمر أيامًا دون طعام على الإطلاق.