وجه الدكتور حسام بدراوي، آخر أمين عام للحزب الوطني المنحل، رسالة غاضبة وشديدة اللهجة إلى نظام السيسي، حذر فيها من أن البلاد تسير نحو "لحظة حرجة" قد تفتح الأبواب على تكرار سيناريوهات الانهيار السياسي والاجتماعي، داعياً إلى مصارحة وطنية شاملة، وإصلاح سياسي عاجل، قبل أن تقع الكارثة.

وفي مقال مطول نُشر مؤخراً، لم يتوانَ بدراوي عن توجيه انتقادات لاذعة للسلطة الحاكمة، متهماً إياها بإعادة إنتاج نفس الممارسات التي سبقت انهيار النظام السابق في 2011، ومشدداً على أن اللحظة الراهنة تتطلب شجاعة سياسية وقرارات تاريخية لا تُدار من خلف الكواليس.

 

مشهد سياسي "هزلي" و"انتحار ناعم"
بدراوي، المعروف بمواقفه الوسطية خلال سنوات ما بعد ثورة يناير، وصف الواقع السياسي الحالي في مصر بأنه "مسرحية هزلية تتكرر فصولها"، وأشار إلى أن هناك إدارة ممنهجة لحالة من "الانتحار السياسي الناعم"، حيث تتآكل شرعية الدولة بهدوء، في ظل انعدام التعددية، وتصنيع معارضة مصطنعة لا دور لها سوى تزيين المشهد.

وقال بنبرة تحذيرية: "نحن نعيش ما يمكن تسميته بانتخابات بلا انتخاب، وقوائم بلا منافسة، فيما المعارضة يتم تشكيلها في غرف السلطة لتناسب مقاساتها"، مشدداً على أن هذا النمط لا يصنع شرعية، بل يؤسس لانفجار شعبي غير محسوب العواقب.

 

تصفية إعلامية ورسالة للمنتقدين: "من ينتقد يُقصى"
وتناول بدراوي ما سماه بـ"التصفية الإعلامية الناعمة"، مشيراً إلى تغييب أصوات إعلامية لطالما ارتبطت بالمشهد العام مثل لميس الحديدي وعمرو أديب وخيري رمضان وإبراهيم عيسى.

وقال: "الرسالة أصبحت واضحة: لا مكان للصدق، ومن يقول إن الناس تتألم يُعاقب. من يُنكر الواقع لا يغيره، بل يُورط نفسه فيه".

 

تعديل دستوري في الأفق... تحت راية "الاستقرار"
وفي أبرز محاور مقاله، سلط بدراوي الضوء على محاولات تعديل الدستور من جديد، تمهيداً لما يبدو أنه تمكين عبد الفتاح السيسي من الاستمرار في السلطة لفترة رابعة، عبر الترويج لفكرة أن "الاستقرار" يمر عبر التمديد.

وسخر بدراوي من هذا الطرح قائلاً: "منذ متى كانت التعديلات والتمديدات وسيلة استقرار؟ ألم تُجرب من قبل وانتهت إلى فوضى وانهيار؟"، في إشارة مباشرة إلى تعديلات 2007 التي سبقت ثورة 2011.

 

أزمة اقتصادية خطيرة: "المديونية تنخر في جسد الدولة"
وفي سياق نقده للسياسات الاقتصادية، عبّر بدراوي عن قلقه البالغ من تصاعد الدين الخارجي وفقدان استقلال القرار الاقتصادي المصري، وقال:

"المديونية باتت بيئة خصبة للانفجار… لا تكفي محطات التجميل ولا أبراج المراقبة لإخفاء الأزمة"، داعياً إلى مراجعة عاجلة لمنظومة الأولويات الاقتصادية.

وحذّر قائلاً: "ما نشهده ليس تديناً حقيقياً، بل استغلال سياسي للدين… تماماً كما حدث قبيل تعديل دستور 1971"، مشدداً على أن تكرار هذه الأخطاء لن يؤدي إلا إلى نتائج كارثية.

من ذاكرة 2011: "نصحت مبارك بالتنحي فطُردت"
استحضر بدراوي تجربة الأسابيع الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، قائلاً إنه حاول أن يكون "ناصحاً أميناً"، ودعا إلى إصلاح سياسي سلمي وتنحي طوعي، لكن صوته تم تجاهله.

وأضاف: "اليوم، أرى نفس السيناريو يتكرر: الإقصاء، التزييف، تسييس الدين، وتجاهل الأصوات العاقلة".

نداء أخير: "لا تكتبوا فصل الانهيار"
اختتم بدراوي مقاله بنداء مباشر إلى عبدالفتاح السيسي، قائلاً: "لا تجعل هذه اللحظة لحظة انغلاق، بل اجعلها بداية البناء الحقيقي. لا تكتب فصلاً جديداً من مشاهد العبث، بل صفحة تاريخية عنوانها المصالحة والمشاركة".

وشدد على أن الدولة لم تعد تحتمل مزيداً من الإقصاء والاحتكار، مؤكداً أن اللحظة تتطلب شجاعة أخلاقية وإنسانية وتاريخية: "من مكاني كمواطن صادق وسياسي سابق، أقول بثقة: لا يزال أمامكم خيار الإفاقة… فهل تختارون الحياة أم التكرار؟".