في تقرير حديث صدر عن صندوق النقد الدولي في يوليو 2025، تم التحذير من تفاقم مستويات الدين الخارجي لمصر، حيث توقع الصندوق أن تتجاوز الديون الخارجية حاجز 200 مليار دولار بحلول عام 2030، مقارنة بـ 162.9 مليار دولار في الوقت الراهن، بزيادة تقدر بـ 40 مليار دولار خلال خمس سنوات فقط.

هذه القفزة في الديون، بحسب اقتصاديين، ليست نتيجة استثمارات إنتاجية بقدر ما هي انعكاس لفشل السياسات الاقتصادية التي ينتهجها نظام  قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي منذ استيلائه على السلطة في انقلاب يوليو 2013، والذي تبعته سنوات من الاعتماد المفرط على القروض والمنح دون إصلاح فعلي للاقتصاد المحلي.

 

  1.  أين تذهب القروض؟ وأين الإصلاح؟

بالرغم من القروض الضخمة التي حصلت عليها مصر، لا يرى المواطن أي تحسن ملموس في حياته اليومية، فقد حصلت مصر على قروض متعددة من مؤسسات دولية وإقليمية، مثل قرض صندوق النقد البالغ 12 مليار دولار عام 2016، ثم 5.2 مليار دولار عام 2020، وأخيرًا 8 مليارات دولار تقريبًا في 2023.

لكن كل هذه القروض لم تساهم في تنمية القطاعات الإنتاجية أو تحسين جودة التعليم والصحة، بل تم توجيه جزء كبير منها إلى مشروعات بنية تحتية ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، التي يراها الخبراء "غير ذات أولوية" في ظل الأزمة المعيشية الحادة التي يواجهها المصريون.

في هذا السياق، تساءل الخبير الاقتصادي ممدوح الولي في أحد مقالاته: "ما الذي يمنع مصر من توجيه مواردها نحو الزراعة والصناعة بدلاً من التركيز على العقارات والخرسانة؟"

 

  1.  خدمة الدين تلتهم الموازنة

واحدة من أبرز تبعات تزايد الديون هي ما تتحمله الدولة من أعباء خدمة الدين، سواء داخليًا أو خارجيًا، ووفقًا لبيانات وزارة المالية المصرية، فإن نحو 54% من إجمالي الإنفاق العام في موازنة 2024-2025 موجه فقط إلى خدمة الدين (فوائد وأقساط).

وهذا يعني أن أكثر من نصف الميزانية لا يذهب للتعليم أو الصحة أو الدعم، بل لتسديد فوائد قروض تم استهلاكها سابقًا.

وقد حذّر صندوق النقد الدولي نفسه من هذه النقطة، مشيرًا إلى أن "مصر دخلت مرحلة الاعتماد المزمن على الديون لتمويل احتياجاتها، بدلاً من الاعتماد على الإيرادات الذاتية أو الإنتاج المحلي".

 

  1. أعباء الفوائد وخدمة الدين.. مأزق في قلب الأزمة

خدمة الدين ودفعات الفوائد باتت تستنزف ما يزيد عن نصف الإيرادات الحكومية سنوياً، فالفائدة البنكية في مصر سجلت في 2024 مستوى تاريخياً بلغ 27.25% قبل أن تنخفض إلى 24% منتصف 2025، نتيجة التضخم والضغوط النقدية.

دفع هذا التطور إلى ازدياد عبء فوائد القروض ليس فقط على الموازنة العامة، بل أيضاً على الاحتياطي النقدي، حيث اضطرت مصر إلى سداد أكثر من 21 مليار دولار في خدمة الدين الخارجي خلال النصف الثاني من عام 2024 وحده، مقارنة بـ15.5 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2023.

الوزارات والخبراء الماليون يُجمعون أن استمرار هذا الوضع سيؤدي لا محالة إلى أزمات سيولة متكررة وتخفيض تصنيف مصر الائتماني ما لم تتوقف الدائرة المفرغة من الاقتراض والفوائد

 

  1.  الجيش يسيطر.. والمنافسة غائبة

جزء كبير من الأزمة الاقتصادية في مصر لا يمكن فصله عن التمدد غير المسبوق للمؤسسة العسكرية في الاقتصاد المدني، حيث تُشير تقارير صندوق النقد والبنك الدولي إلى أن توسع القوات المسلحة في الأنشطة الاقتصادية، بما يشمل الصناعات الغذائية والبناء والسياحة، قد أضعف المنافسة ومنع القطاع الخاص من النمو.

في تقرير مراجعة برنامج مصر الأخير، طالب صندوق النقد الحكومة بـ"إعادة ضبط العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص"، مؤكدًا أن هيمنة الكيانات السيادية والعسكرية على السوق تعيق الاستثمار وتحد من الإنتاجية.
 

  1.  غياب الرؤية وغياب الشفافية

رغم الحديث الحكومي المتكرر عن خطط الإصلاح الاقتصادي، يلاحظ المحللون أن الرؤية ما تزال ضبابية، والشفافية غائبة عن إدارة الدين العام، فعلى سبيل المثال، لا يُعرف بدقة كيف تُستخدم عوائد بيع الأصول الحكومية في برنامج "الطروحات"، ولا كيف تُدار أموال الصناديق السيادية.

وقد وجّه أعضاء في البرلمان الأوروبي انتقادات في 2024 للحكومة المصرية بشأن غياب الشفافية في إدارة التمويل الدولي، ما دفع بعض المؤسسات المالية إلى التريث في منح مصر قروضًا جديدة حتى تقدم التزامات واضحة بالإصلاح.

وقال خبير الاقتصاد السياسي عمرو عدلي في مقابلة مع "بي بي سي": "الدين في ذاته ليس المشكلة، بل كيف يُدار، وماذا ينتج عنه، في حالة مصر، لا يوجد استثمار منتج ولا مخرجات تنموية حقيقية."

 

  1.  المستقبل.. إلى أين؟

في ظل استمرار السياسات الحالية، وتزايد الاعتماد على الاقتراض لسد عجز الميزانية ودعم الجنيه، يخشى اقتصاديون من تكرار سيناريو الإفلاس كما حدث في دول مثل لبنان أو سريلانكا.

وتُحذر منظمات مالية دولية من أن أي أزمة سيولة أو توقف في تدفق القروض سيفضي إلى كارثة اقتصادية واجتماعية قد تشمل انهيار الجنيه وارتفاعًا جنونيًا في الأسعار، وسط غياب شبكة أمان اجتماعي حقيقية.

ويُجمع المراقبون أن الحل يكمن في تبني نهج جديد يعيد الاعتبار للإنتاج المحلي، ويحد من نفوذ الجيش في الاقتصاد، ويعزز الحوكمة والشفافية، لكن، هل تسمح منظومة الحكم الحالية بذلك؟