كشف تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني أن السلطات الأردنية تشنّ، منذ أكثر من شهرين، ما اعتبره ناشطون ومراقبون أكبر حملة اعتقالات سياسية تشهدها المملكة منذ عقود، مستهدفة مئات المواطنين الذين أبدوا تضامنهم مع قطاع غزة في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكتوبر الماضي.

 

استهداف واسع للنشطاء والداعمين لغزة
وبحسب التقرير، فإن الاعتقالات تركزت على نشطاء سياسيين ومواطنين عاديين يشتبه في تقديمهم دعمًا ماليًا أو لوجستيًا لغزة أو انخراطهم في فعاليات مناصرة للقضية الفلسطينية.

وتم تنفيذ تلك الاعتقالات غالبًا دون أوامر قضائية، كما تعرّض كثير من الموقوفين لتحقيقات طويلة دون توجيه تهم رسمية، وتلقّوا تعليمات بعدم الحديث علنًا عن ظروف احتجازهم.

مصادر حقوقية أردنية أكدت أن هذه الاعتقالات تمت في معظمها من قبل دائرة المخابرات العامة، فيما جرى إطلاق سراح العديد من المعتقلين لاحقًا دون تفسير، ما ساهم في ترسيخ حالة من الخوف والتوجس داخل الأوساط السياسية والمجتمعية.

 

ضغوط خارجية وراء الحملة؟
المثير في الأمر، وفقًا لما نقله التقرير عن مصادر سياسية مطلعة، أن هذه الحملة الأمنية المكثفة جاءت في جزء منها استجابة لضغوط خليجية، ولا سيما من السعودية والإمارات، اللتين يُعتقد أنهما ربطتا تقديم مساعدات مالية للأردن بشرط تقليص النفوذ الإسلامي ومنع تصاعد النشاط الداعم لغزة داخل المملكة.

وتُعدّ جماعة الإخوان المسلمين والجبهة الإسلامية للسلّم من أبرز المتضررين من هذه الحملة، إذ طالت الاعتقالات عددًا من أعضائها، رغم أن الجبهة نفسها كانت قد حققت فوزًا مهمًا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالحصول على 31 مقعدًا.

 

حالات صادمة.. تعذيب وإخفاء قسري
من أبرز الحالات التي أثارت صدمة واسعة في المجتمع الأردني:

أحمد الزرقان (72 عامًا)، وهو عمدة سابق ووجه قبلي معروف، اعتُقل منذ أبريل الماضي دون توجيه تهم أو السماح لأسرته بالتواصل معه. وخرجت احتجاجات نادرة من عشائر محافظة الطفيلة للمطالبة بالإفراج عنه أمام مقر المخابرات العامة في عمّان.

حمزة بني عيسى، أحد الشباب الناشطين، تعرّض لإصابة بالغة في الرأس أثناء اعتقاله، ما أفقده البصر، بحسب رواية والدته، أروى الطل، التي نشرت مقطع فيديو أثار ضجة واسعة، شجبت فيه "العنف الأمني الممنهج" ضد النشطاء.

خالد الجهاني، حمزة خضر (قائد حملة مقاطعة إسرائيل BDS)، وجميل أبو بكر، جميعهم من قيادات الجبهة الإسلامية للسلّم، تم احتجازهم لفترات قصيرة وخضعوا لتحقيقات مكثفة بشأن نشاطهم المرتبط بالقضية الفلسطينية.

 

“خلية مسلحة” أم فزاعة إعلامية؟
في أبريل الماضي، زاد التصعيد الأمني بعد إعلان رسمي من جهاز المخابرات عن "تفكيك خلية مسلحة" قالت السلطات إنها كانت تخطط لتصنيع صواريخ وتطوير طائرات مسيّرة لدعم المقاومة الفلسطينية انطلاقًا من مدينة الزرقاء.

لكن هذا الإعلان أثار سخرية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث شكك كثيرون في مصداقية الرواية الرسمية، مشيرين إلى أن التفاصيل بدت أشبه بـ"فيلم استخباراتي مبالغ فيه"، خاصة مع فرض حظر إعلامي صارم على القضية لاحقًا.

 

منظمات حقوقية تدق ناقوس الخطر
مع تصاعد الانتقادات الداخلية والدولية، طالبت منظمات حقوقية بارزة في الأردن وخارجه بوقف "الاعتقالات التعسفية"، وضمان احترام حقوق المعتقلين، وضرورة التزام السلطات بالإجراءات القانونية العادلة، بما في ذلك الحق في محاكمة علنية ومحاماة مستقلة.