تشهد سوريا موجة جديدة من العنف الطائفي، وضعت الأقلية الدرزية في صلب التوترات المتصاعدة مع إسرائيل. اشتبكات دامية اندلعت في مدينة السويداء جنوب البلاد بين موالين للحكومة وميليشيات درزية، ما أسفر عن مقتل عشرات وإصابة آخرين. تدخل الجيش السوري أدى إلى غارات جوية إسرائيلية جديدة، حيث تقول إسرائيل إنها تحمي الدروز وتوسع وجودها العسكري جنوب سوريا.
أحداث السويداء والتدخل الإسرائيلي
دخلت القوات السورية مدينة السويداء، معقل الدروز، بعد اندلاع اشتباكات بينهم وبين قبائل بدوية. قُتل ما لا يقل عن 30 شخصًا، وأصيب العشرات. انضمت قوات إسلامية متحالفة مع الحكومة السورية إلى القتال، مما أثار قلق الدروز ودفع قياداتهم للمطالبة بحماية دولية.
إسرائيل ردّت بشن ضربات جوية ضد القوات السورية المتقدمة باتجاه السويداء، وأعلنت نيتها مواصلة القصف حتى انسحاب القوات الحكومية. وزارة الخارجية السورية أدانت الضربات، ووصفتها بانتهاك صارخ للسيادة الوطنية. وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف كاتس، هدد بتصعيد الهجمات إذا لم تنسحب القوات السورية، ثم استهدفت غارات لاحقة مبنى لوزارة الدفاع ومنطقة قرب القصر الرئاسي في دمشق.
الدروز: طائفة عربية محورية في الصراع
الدروز طائفة عربية منشقة عن الإسلام، ظهرت في مصر في القرن الحادي عشر، ويبلغ عدد أتباعها نحو مليون شخص يعيشون في سوريا ولبنان وإسرائيل. يتركزون جنوب سوريا، قرب الجولان المحتل. في الجولان، يعيش أكثر من 20 ألف درزي، أغلبهم رفضوا الجنسية الإسرائيلية ويحملون إقامات فقط.
داخل إسرائيل، يعيش نحو 130 ألف درزي، ويخدم رجالهم إلزاميًا في الجيش منذ 1957، ويشغل بعضهم مناصب عليا في الأمن والشرطة. الحكومة الإسرائيلية ترى في علاقتها بالدروز تحالفًا "أخويًا" تاريخيًا، وترى حماية الدروز في سوريا واجبًا استراتيجيًا.
التوتر مع الحكومة السورية الجديدة
منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 وصعود الرئيس الجديد أحمد الشعار، يسعى النظام الجديد لدمج الميليشيات ضمن جيش موحّد، إلا أن الدروز يرفضون تسليم سلاحهم أو فقدان استقلالهم العسكري. الشعار، ذو التوجه الإسلامي الجهادي السابق، لم ينجح في تهدئة المخاوف الدرزية، خاصة بعد استبعاد عدد من قادتهم من الحوار الوطني، وتعيين وزير درزي واحد فقط في الحكومة.
في ظل تدهور الوضع، أعلنت الحكومة السورية عن اتفاق هدنة جديد بعد فشل سابق، يتضمن وقف إطلاق النار وتشكيل لجنة مراقبة بقيادة درزية. يوسف جربوع، زعيم روحي درزي، أيّد الاتفاق، بينما رفضه الزعيم الآخر حكمت الهجري، داعيًا أنصاره لمواصلة القتال.
الدروز بين إسرائيل وسوريا والولايات المتحدة
صرح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن "إسرائيل ملتزمة بمنع إيذاء الدروز في سوريا بسبب روابطهم الأخوية مع دروز إسرائيل". وأعلنت إسرائيل من جانب واحد إقامة منطقة منزوعة السلاح جنوب سوريا، وهو ما رفضته دمشق.
في المقابل، دعا الزعيم الديني الدرزي حكمت الهجري المجتمع الدولي لحمايتهم من "حرب إبادة شاملة"، فيما أيدت أطراف درزية أخرى تدخل الحكومة السورية ودعت لتسليم السلاح وبدء حوار مع دمشق.
المعادلة الإقليمية المعقدة
منذ سقوط نظام الأسد، كثّفت إسرائيل قصفها للأراضي السورية بحجة منع إعادة بناء القدرات العسكرية ومنع التهديدات الأمنية. لكن الحملة الإسرائيلية تعقّد جهود الرئيس الشعار لتعزيز سلطته والتقارب مع إسرائيل عبر محادثات غير مباشرة. ورغم ضغوط إدارة ترامب على إسرائيل لوقف الهجمات، ورفع العقوبات عن سوريا، استمرت الغارات الإسرائيلية.
في مايو، التقى ترامب الرئيس السوري الجديد في الرياض، في أول لقاء رفيع المستوى بين البلدين منذ عقود. أعلن ترامب حينها رفع العقوبات، ما اعتُبر خطوة نحو إعادة دمج سوريا دوليًا. إسرائيل، من جهتها، تأمل توسيع "اتفاقيات أبراهام" لتشمل سوريا، لكنها تواصل استهداف الأراضي السورية.
المشهد يبقى مفتوحًا على تصعيد أوسع، في ظل التباين داخل المجتمع الدرزي، وتضارب المصالح بين دمشق وتل أبيب وواشنطن، وغياب توافق حقيقي على مستقبل الجنوب السوري.
https://amp.cnn.com/cnn/2025/07/15/middleeast/israel-strikes-syria-sectarian-clashes-druze-intl