شهدت ليبيا في يوليو 2025 حدثًا اقتصاديًا وتنمويًا بارزًا، تمثل في توقيع مجموعة من العقود الاستراتيجية بين مجموعة «العرجاني» المصرية، برئاسة رجل الأعمال المقرب من نظام الانقلاب المصري إبراهيم العرجاني، وصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بشرق البلاد، الذي يديره المهندس القاسم خليفة حفتر.

تهدف هذه العقود إلى تنفيذ مشاريع ضخمة لتطوير البنية التحتية في عدد من المناطق الليبية، في خطوة تعد الأكبر من نوعها منذ سنوات، وتأتي في إطار خطة شاملة لإعادة إعمار المناطق المتضررة وتحسين جودة الحياة للمواطنين.

جرى توقيع العقود رسميًا في بنغازي يوم السبت 5 يوليو 2025، بحضور كبار المسؤولين من الجانبين، وعلى رأسهم إبراهيم العرجاني والقاسم خليفة حفتر.

وقد أكد الطرفان خلال مراسم التوقيع أهمية هذه الشراكة في دفع عجلة التنمية وإعادة الإعمار في ليبيا، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد.

يرى مراقبون أن توقيع هذه العقود يتجاوز البعد الاقتصادي، ويحمل أبعادًا سياسية، خاصة أن العرجاني يُعرف بقربه من دوائر الحكم والأجهزة السيادية في مصر، ويعد أحد أبرز رجال الأعمال الذين توسع نشاطهم بشكل كبير منذ عام 2014.

ووفق تحليل سياسي لمركز «الشرق للدراسات الإقليمية»، فإن مصر تسعى من خلال هذه المشروعات إلى:

  • تعزيز نفوذها في شرق ليبيا، وهي منطقة موالية لحفتر والمدعومة من القاهرة.
  • فتح سوق استثماري للشركات المصرية التي تعاني من تباطؤ النمو الداخلي.
  • تأمين الحدود المصرية الليبية من خلال وجود شركات مصرية تعمل على الأرض في مناطق حدودية.

تشمل العقود الموقعة تنفيذ وتطوير مشاريع بنية تحتية في عدة مدن ومناطق ليبية، من بينها بنغازي، المرج، طبرق، أمساعد، ودرنة.

وتوزعت المشروعات على قطاعات الطرق والكباري وشبكات الصرف الصحي ومحطات الكهرباء، وفق ما يلي:

  • توسعة وازدواج طريق الباكور – المرج بطول 16 كيلومترًا، بهدف تحسين الربط بين المناطق وتسهيل حركة النقل.
  • تطوير ورفع كفاءة الطريقين الدائريين الرابع والخامس في بنغازي، بطول إجمالي يبلغ 60 كيلومترًا، مما يسهم في تخفيف الازدحام المروري وتحسين البنية التحتية للمدينة.
  • تنفيذ الأعمال الهيدرولوجية لطريق طبرق – أمساعد، لمعالجة تحديات السيول وتحسين السلامة المرورية على هذا الطريق الحيوي.
  • إنشاء كوبري بوابة طبرق بطول 200 متر، لتسهيل الحركة في المدخل الرئيسي للمدينة.
  • استكمال شبكات الصرف الصحي ومحطة معالجة الكهرباء في مدينة درنة، بما يعزز من الخدمات الأساسية للسكان.
  • صيانة وتطوير طريق ازدواج الرجمة – المرج بطول 66 كيلومترًا، ضمن خطة شاملة لرفع كفاءة الطرق الرئيسية.

لم يتم الإعلان الرسمي عن إجمالي التكلفة المالية للعقود الموقعة، إلا أن التقديرات تشير إلى أن حجم الاستثمارات يتجاوز المليار دينار ليبي، نظرًا لضخامة المشروعات وتنوعها الجغرافي والفني.

ووفقًا لمصادر مطلعة، يبلغ إجمالي قيمة العقود الأولية نحو 1.2 مليار دينار ليبي (ما يعادل 250 مليون دولار أمريكي)، مع توقعات بزيادتها لاحقًا ضمن مراحل التوسعة.

وتُعد هذه العقود من أكبر الاتفاقيات التنموية التي تشهدها ليبيا في السنوات الأخيرة، وتمثل نقلة نوعية في مجال البنية التحتية.

 

صندوق إعادة الإعمار والتعاون مع مصر

تأسس صندوق إعادة إعمار بنغازي ودرنة في عام 2021، ثم جرى توسيعه ليشمل مناطق أخرى في الشرق الليبي تحت إشراف "القيادة العامة للجيش الليبي" بقيادة المشير خليفة حفتر.

ومنذ عام 2022، بدأ الصندوق يتعاون مع شركات مصرية لتنفيذ مشروعات إعادة الإعمار، أبرزها شركات "أوراسكوم"، و"المقاولون العرب"، والآن مجموعة العرجاني.

 

مغازلة سياسية متبادلة

إبراهيم العرجاني

أعرب رئيس مجموعة العرجاني عن اعتزازه بالشراكة مع الجانب الليبي، مؤكدًا التزام المجموعة بتنفيذ المشاريع وفق أعلى معايير الجودة والمواصفات العالمية، وقال العرجاني في تصريح صحفي عقب التوقيع: "نحن فخورون بأن نكون جزءًا من عملية إعادة إعمار ليبيا، وملتزمون بتسليم المشاريع في الوقت المحدد وبأعلى جودة ممكنة، بما يعود بالنفع على الشعب الليبي"

القاسم خليفة حفتر

من جانبه، أكد القاسم خليفة حفتر، مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، أن توقيع هذه العقود يأتي ضمن رؤية الصندوق للنهوض بالبنية التحتية وتهيئة بيئة ملائمة للتنمية المستدامة في مختلف المدن والمناطق. وأضاف حفتر:

"هذه الخطوة تمثل بداية جديدة نحو إعادة إعمار المناطق المتضررة، ونعمل مع شركائنا المصريين لتحقيق أفضل النتائج للمواطن الليبي، مع التركيز على سرعة الإنجاز وجودة التنفيذ"

 

الأهداف الاستراتيجية للمشروعات

تهدف العقود الموقعة إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية، من بينها:

  • تعزيز البنية التحتية الأساسية في المناطق الشرقية من ليبيا، بما يدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  • تحسين الخدمات الأساسية مثل الطرق والكهرباء والصرف الصحي، مما ينعكس إيجابًا على حياة المواطنين.
  • تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار من خلال تطوير المرافق العامة ورفع كفاءة البنية التحتية.
  • خلق فرص عمل جديدة للشباب الليبي، عبر تنفيذ مشروعات ضخمة تتطلب عمالة محلية وإقليمية.

تأتي هذه الاتفاقيات في ظل مساعٍ حثيثة من الحكومة الليبية، خاصة في شرق البلاد، لإعادة إعمار المناطق المتضررة من النزاعات والصراعات المسلحة خلال السنوات الماضية، كما تعكس رغبة السلطات الليبية في الاستفادة من الخبرات المصرية في مجال التشييد والبناء، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

 

التحديات المتوقعة

رغم التفاؤل الكبير الذي صاحب توقيع العقود، إلا أن هناك تحديات متوقعة، أبرزها:

  • ضمان الاستقرار الأمني في المناطق المستهدفة، لضمان تنفيذ المشروعات في المواعيد المحددة.
  • توفير التمويل اللازم واستمرارية الدعم الحكومي، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
  • التنسيق مع السلطات المحلية لتذليل العقبات الإدارية والفنية.