كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن ممارسات تعذيب وصفتها بـ"غير المسبوقة"، داخل سجن الوادي الجديد، الواقع في عمق الصحراء الغربية

التقرير الصادر عن الشبكة، أزاح الستار عن وسيلة تعذيب مروّعة أطلق عليها المعتقلون اسم "حمّام العسل"، وهي ممارسة تنطوي على إذلال جسدي ونفسي قاسٍ، يُنفذ تحت أشعة الشمس الحارقة بدرجات حرارة تتجاوز 45 درجة مئوية، في أحد أكثر السجون عزلةً وغموضًا.

 

شهادات دامغة عن جريمة ممنهجة
استند تقرير الشبكة إلى شهادات موثقة من معتقلين سابقين وأسر سجناء سياسيين ما زالوا قيد الحبس. ووصفت الشبكة هذه الممارسة بأنها "جريمة تعذيب مكتملة الأركان"، مشيرة إلى أنها تُنفذ بشكل منتظم وممنهج، و"بعلم وإشراف من العناصر الأمنية" داخل السجن.

بحسب هذه الشهادات، تبدأ جلسة "حمام العسل" بتجريد المعتقل من ملابسه وربطه أو تقييده إلى عمود في ساحة مكشوفة، قبل أن يتم طلي جسده بالكامل بالعسل الأسود، ثم سكب التراب الساخن عليه، ما يؤدي إلى التصاق الغبار بجسده المتعرّق تحت أشعة الشمس. ولا تنتهي المأساة هنا، إذ يتعرض المعتقل لهجمات من الذباب الصحراوي ولسعات الحشرات المؤلمة، بينما تستمر جلسته في العذاب لساعات متواصلة دون أي تدخل طبي أو إنساني.

وتوضح الشهادات أن هذه الوسيلة البشعة تُستخدم لأسباب متعددة، منها عقاب على رفض تنفيذ أوامر أو بسبب الانتماء السياسي، في سياق يبدو أنه جزء من سياسة تعذيب ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة المعتقلين وإذلالهم نفسيًا وجسديًا.

 

"سجن الموت": ساحة انتهاكات بلا رقابة
وصفت الشبكة سجن الوادي الجديد بـ"سجن الموت"، مشيرة إلى أن موقعه الجغرافي المعزول، على بعد 350 كيلومترًا داخل الصحراء، يجعل الرقابة الحقوقية أو الإعلامية عليه شبه مستحيلة. ولفت التقرير إلى أن صعوبة الوصول إلى السجن بسبب تكاليف السفر الباهظة، تجعل من زيارة الأهالي نادرة، وهو ما يعمّق عزلة المعتقلين.

كما وثّق التقرير انتهاكات سابقة في السجن، من بينها الحبس الانفرادي المطوّل، وحرمان السجناء من الزيارات، والإهمال الطبي، والتغذية غير الآدمية، ما يجعله وفقاً للشبكة، "بؤرة سوداء في ملف الانتهاكات الحقوقية داخل مصر".

 

شهادات من الداخل: "رأيتهم يعودون محترقين"
أحد المعتقلين السياسيين السابقين الذين أفرج عنهم مؤخرًا، قال للشبكة: "على مدار سنوات، شاهدت زملاء يُسحبون عراة إلى الساحات، يُقيّدون ويُطلون بالعسل الأسود، ثم يُسكب فوقهم التراب. كنت أراهم يعودون إلى الزنازين محروقين ومتهالكين… مشاهد لا تُنسى".

 

الحكومة تنكر... والمنظمات تطعن في مصداقية التصريحات الرسمية
وفي أول رد فعل رسمي، نفت وزارة الداخلية في بيان على صفحتها الرسمية بموقع "فيسبوك" صحة ما جاء في التقرير، مؤكدة أن "سجن الوادي الجديد يتمتع بكافة الإمكانيات المعيشية والصحية، ويخضع لإشراف قضائي"، وذلك ضمن ما وصفته بـ"خطة تطوير منظومة العقوبات".

غير أن الشبكة الحقوقية، ومعها منظمات دولية مستقلة، شكّكت في مصداقية هذا النفي، مشيرة إلى غياب الشفافية والتعتيم المستمر على أوضاع السجون، ومنع الزيارات الحقوقية المستقلة، وهو ما يعزّز الرواية التي وردت في التقرير.

 

مطالب حقوقية بتحقيق دولي... ومحاسبة مسؤولة
في ضوء ما جاء في التقرير، دعت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان إلى تحقيق مستقل وفوري في ممارسات التعذيب بسجن الوادي الجديد، خاصة فيما يتعلق بـ"حمام العسل"، كما طالبت بـمحاسبة كل المتورطين من ضباط وأجهزة أمنية، ودعوة المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب لزيارة السجن وتقصّي الحقائق.

كما طالبت الشبكة بـ: تعزيز الرقابة القضائية والحقوقية المستقلة على جميع السجون، وتوفير رعاية طبية ونفسية عاجلة للضحايا، ووقف كافة أشكال التعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة.

 

ردود فعل غاضبة: "لا بد من إقالة ومحاكمة وزير الداخلية"
الحقوقي البارز جمال عيد علّق على التقرير قائلًا: "لا أفترض صحة أو كذب التقرير، لكن من واجب النيابة العامة التعامل معه بجدية. يجب إرسال بعثة تضم النيابة وحقوقيين وصحافيين مستقلين لا علاقة لهم بالأجهزة الأمنية المتورطة… وإذا ثبتت صحة ما ورد فهذه جريمة ضد الإنسانية تستوجب محاسبة وزير الداخلية".

 

"جريمة لا تسقط بالتقادم"
اختتمت الشبكة تقريرها بتشديد على أن "حمام العسل ليس مجرد وصف ساخر يتداوله المعتقلون، بل جريمة تعذيب ممنهجة ترتكب باسم الدولة، وبتواطؤ أو تغاضٍ من مؤسسات يفترض أنها حارسة للعدالة والكرامة. وهي جريمة لا تسقط بالتقادم، وستظل وصمة في جبين الدولة، وشاهدة أمام الضمير الإنساني والقضاء الدولي".