"مسرحية مكشوفة وفيديو مفبرك".. بهذه العبارات سخر المصريون من الفيديو الذي تم تداوله عبر وسائل إعلام السلطة ولجانها الإلكترونية، ونُسب لتنظيم يدعى "حركة حسم" يُزعم أنه يهدد الدولة المصرية، مؤكدين أن الهدف الحقيقي من هذا الفيديو هو صرف الأنظار عن الأزمات الكارثية التي تمر بها البلاد، وتوفير ذريعة جديدة لتوسيع القمع والاستنفار الأمني، وسط تصاعد الغضب الشعبي والدعوات المطالبة برحيل نظام عبد الفتاح السيسي.

في الرابع من يوليو الجاري، وفي توقيت لافت يتزامن مع ذكرى انقلاب 2013، بثّت قنوات موالية للنظام ومواقع إلكترونية تابعة له فيديو يُنسب لحركة مسلحة تسمى "حسم"، استعرضت خلاله مهارات عسكرية ورسائل تهديد لنظام السيسي، وسط لغة إنشائية مبالغ فيها ومشهد وصفه ناشطون بأنه "كاريكاتوري" وسينمائي أكثر من كونه يعكس واقعا أمنيا حقيقيا.

 

مشهد مفبرك وسيناريو مكرر
   المصريون الذين تفاعلوا مع الفيديو على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، لم يأخذوا الرسالة المزعومة على محمل الجد، بل اعتبروها جزءاً من سيناريو معتاد دأب عليه النظام كلما اشتد الخناق عليه داخليًا وخارجيًا.

وقال عدد من النشطاء إن الأجهزة الأمنية تلجأ إلى اختلاق أزمات وهمية وتنظيمات مسلحة "كرتونية" كلما علت الأصوات المطالبة بالمحاسبة أو الإصلاح السياسي، وذلك لصرف الانتباه عن الفشل المتراكم في إدارة الدولة وتبرير مزيد من القمع الأمني تحت شعار "محاربة الإرهاب".

وعلق أحد المغردين: "نظام فاشل يلعب آخر أوراقه.. من بيك أب و7 أفراد عاوزين يهددوا الدولة؟ كفاية استعباط!".

فيما قال آخر: "كل مرة المصريين يغضبوا، تطلع لنا فجأة جماعة مسلحة بالفيديوهات الجاهزة.. فيلم بايخ ومتكرر".

 

ترويج رسمي متزامن وتوقيت مريب
   التشكيك في مصداقية الفيديو لم يأت فقط من محتواه الركيك، بل من الطريقة التي جرى بها ترويجه، حيث انتشر الفيديو بشكل مكثف ومتزامن عبر حسابات معروفة بقربها من المخابرات والإعلام الرسمي، بل وبصيغة موحدة تُشيد بـ"يقظة الدولة" وتحذر من "الخطر القادم"، مما عزز من فرضية أن الفيديو مفبرك وموجه للاستهلاك الإعلامي.

وطرح مراقبون تساؤلات حول الجهة التي تقف خلف إنتاج هذا الفيديو، والهدف الحقيقي من إظهاره في هذا التوقيت الحساس، في ظل تصاعد الانتقادات الدولية بشأن سجل مصر الحقوقي، وخصوصاً بعد جلسة مجلس حقوق الإنسان الأخيرة في جنيف، والتي شهدت توبيخاً علنياً للحكومة.

 

تغطية على الفشل وتخويف من المعارضة
   أكد محللون سياسيون أن النظام دأب منذ سنوات على استخدام فزاعة "الإرهاب" كسلاح سياسي لتبرير فشله في الملفات الاقتصادية والاجتماعية، ولقمع أي معارضة سلمية. ومع تفاقم الغضب الشعبي نتيجة انهيار الجنيه، وارتفاع الأسعار، وتآكل الطبقة الوسطى، وبيع أصول الدولة للأجانب، أصبح النظام أكثر حاجة لاختلاق "خطر وهمي" يصرف انتباه الشارع.

ويقول مراقبون إن السلطات تحاول أيضًا شيطنة المعارضة السلمية عبر إلصاقها بحركات مسلحة، بهدف تخويف المواطن العادي من الانخراط في أي نشاط سياسي أو حتى التعبير عن الرأي.

وأكد أحد الناشطين الحقوقيين: "كلما طالبنا بإصلاح سياسي أو إطلاق سراح المعتقلين، يخرج علينا فيديو حسم أو مؤامرة كونية! هذه سلطة تتغذى على الخوف".

 

إخراج رديء وتهديدات فارغة
   وبعيدًا عن الهدف السياسي للفيديو، فقد أجمع الكثير من النشطاء على أن محتواه وإخراجه لا يرتقي لمستوى التهديد الحقيقي، بل يوحي بأنه مشهد درامي سيئ الإعداد، مما يعزز فرضية أنه تم إنتاجه داخليًا وليس من جهة مستقلة أو تنظيم مسلح حقيقي.

وقد ورد في الفيديو بيان جاء فيه: "إن أيدينا التي آثرت الترقب طوعاً لا كرهاً لم تضعف ولم تساوم، بل عادت وقد اشتد عودها..."، وهي لغة أقرب إلى خطاب مسرحي منها إلى بيان أمني صادر عن جماعة عسكرية حقيقية.

 

هل خدعة جديدة لتبرئة النظام دولياً؟
التساؤلات لم تتوقف عند حدود التخويف الداخلي، بل تجاوزت ذلك إلى البُعد الخارجي، إذ رأى البعض أن توقيت الفيديو قد يكون مرتبطًا بمحاولة تبرئة النظام من الانتهاكات الحقوقية عبر تقديم نفسه كضحية "إرهاب متجدد"، خاصة بعد الانتقادات الدولية الواسعة التي وُجهت له مؤخرًا.

وأشار محللون إلى أن النظام يلجأ باستمرار لتقنيات صناعة "العدو الداخلي" لاستجداء الدعم الدولي وذر الرماد في العيون، متسائلين:

"هل هذه محاولة لتسويق ملف مكافحة الإرهاب من جديد للغرب مقابل غضّ الطرف عن ملف حقوق الإنسان؟".

الفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=cAiAlPLQCGY