كتب حسين حمديه في مقال رأي نشرته الجارديان بتاريخ 5 يوليو 2025 أن وقف إطلاق النار المرتجف أوقف مؤقتًا دوي الانفجارات فوق طهران. وُلد الكاتب في 1988، بعد عام من نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وعاش مثل معظم أبناء جيله معتقدًا أن الحرب جزء من الماضي. لكن الصيف الحالي بدّد هذا الوهم، بعد 12 يومًا من الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على العاصمة الإيرانية.
يصف حمديه كيف غيّرت تلك الأيام الناس إلى الأبد: جيران يُقتلون، مبانٍ تنهار، وقلق عميق مرسوم على الوجوه. يُستسهل الحديث عن "الشعب الإيراني" وكأنه كتلة واحدة، لكن الواقع أكثر تعقيدًا: عند اندلاع الحرب، ابتهج البعض في البداية لأن الضربات استهدفت قادة الحرس الثوري الإيراني المكروهين. رفض آخرون، رغم معارضتهم للنظام، فكرة الغزو الأجنبي. رأت فئة ثالثة، من المتشددين، الحرب مهمة عقائدية. وفئة رابعة كانت ببساطة مصدومة.
لكن مع تصاعد مشاهد الضحايا المدنيين وزيادة القصف عشوائية، بدأت فئات المجتمع المختلفة تتقارب حول فكرة "الوطن" (وطن). اكتسبت الوطنية زخمًا، وظهرت صور للتضامن: ملاك عقارات يعفون عن الإيجارات، أسر خارج طهران تستقبل الفارين من العاصمة، وغياب تام لمظاهر الفوضى أو الهلع أو إفراغ المتاجر.
يرى الكاتب أن ردّ الفعل الأوروبي على الهجمات كان عنصرًا حاسمًا في هذا التحوّل الشعبي. بلدان أوروبا الغربية، وعلى رأسها "الثلاثي الأوروبي" (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا)، دعمت الضربات الإسرائيلية، مبررة ذلك ببرنامج إيران النووي أو دعمها للإرهاب. في الوقت نفسه، نشر الرئيس الأمريكي على منصته صورة وردية لإيران "ما بعد الحرب"، كما لو أن مستقبلًا مشرقًا ينتظرها بعد الخراب.
لكن في الشرق الأوسط، الناس لا تنسى: غزة تُقصف، ليبيا غرقت في الفوضى، سوريا احترقت، العراق احتُل لعقود، وأفغانستان عاد فيها طالبان. لم تُزهر ديمقراطية واحدة في أيّ من تلك الحروب. فلماذا يُعتقد أن هذه الحرب ستثمر عن شيء مختلف؟
تساءل الكاتب: كيف لا يُقابل العدوان الإسرائيلي الواضح برد فعل دولي مماثل لما شهده الغزو الروسي لأوكرانيا؟ كيف تُبرر هذه الحرب الوحشية، ويُخرس أي صوت يدينها؟ الجواب في نظر كثيرين واضح: حياة الإيراني أقل قيمة عند الغرب.
يرى الكاتب أن هذا الشعور بالغُبن العنصري ترسّخ أكثر مع صمت العواصم الغربية، ونبرة الإعلام الباردة تجاه الضحايا غير البيض، واستخدام كلمات معتدلة عند وصف جرائم واضحة. الألم لا يُحسب بالتساوي.
من بين نتائج هذا الظلم المتصاعد، ظهور دعم شعبي – كان حكرًا على المتطرفين – لفكرة امتلاك سلاح نووي. كتب أحد المستخدمين على "إكس": "لا أحد يهتم بحقوق الإنسان في كوريا الشمالية"، في إشارة إلى أن الردع الحقيقي لا يكون إلا بقنبلة نووية.
يشكك الكاتب في نوايا إسرائيل تجاه وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى سجلها الطويل في خرق الاتفاقيات دون محاسبة. ورغم أن طهران بدت في ظاهرها وكأنها استعادت هدوءها، إلا أن الخوف يسود، خاصة في ظل غياب وسيط موثوق قادر على إنهاء الحرب بصدق. فالغرب، بتورّطه الصامت أو العلني، لم يعد صالحًا للعب دور الوسيط النزيه.
من مكانه في طهران، يرى الكاتب أن مشاعر انعدام الثقة في أوروبا تتعمق. المباني ستُرمم، الطرق ستُصلح، لكن القيم الأخلاقية التي بُنيت عليها ادعاءات أوروبا بالتفوق الأخلاقي ربما تصدّعت إلى غير رجعة. ازدواجية المعايير، والنفاق، والنظرة الاستعلائية ما زالت حية، وتخنق صورة الغرب في أعين شعوب الجنوب العالمي – لا الإيرانيين فقط.
ويختم الكاتب مقاله قائلًا إن المستقبل لا يزال مجهولًا: لا أحد يعلم إن كان النظام الإيراني سينجو من هذه اللحظة، أم سيبرم صفقة، أم سيواصل طريقه في التصعيد. لكن الثابت أن من سيحكم إيران في الغد، لن ينسى أبدًا ما جرى اليوم.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/05/iran-israel-attack-west-double-standards-state