في خطاب ألقاه عبد الفتاح السيسي بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لانقلابه العسكري في 3 يوليو 2013، حاول القائد الانقلابي مرة أخرى شرعنة ما لا يُشرعن، ففي كلمته المتلفزة التي بثتها قنوات الدولة مساء 29 يونيو 2025، لم يأتِ السيسي بجديد، بل أعاد تدوير مزاعمه المعتادة حول "إنقاذ الوطن من الضياع"، معتبرًا أن ما قام به الجيش المصري في 2013 كان "استجابةً لإرادة شعبية"، في تجاهل فاضح للدماء التي أُريقت والانتهاكات التي ارتُكبت منذ الانقلاب، هذا الخطاب يأتي في ظل تدهور اقتصادي واجتماعي غير مسبوق، ما يعكس الانفصال الكامل بين السلطة الحاكمة وواقع المواطنين.

 

عسكرة الدولة.. السيسي يُفاخر بتغلغل الجيش في كل مفاصل الحياة

السيسي لم يخفِ في خطابه فخره بسيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الدولة، بل اعتبرها "العمود الفقري لمصر"، وتفاخر بإقامة "أكثر من 40 ألف مشروع خلال 10 سنوات"، حسب زعمه، مشيرًا إلى دور القوات المسلحة في تنفيذها.

لكن هذه الأرقام تفتقر للشفافية والتدقيق، خصوصًا مع تقارير دولية تحدثت عن غياب رقابة برلمانية أو قضائية على ميزانية الجيش.

ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي في أبريل 2024، فإن أكثر من 60% من مشاريع البنية التحتية الكبرى تُدار مباشرة أو جزئيًا من قبل جهات تابعة للجيش، وهو ما يسهم في إضعاف القطاع الخاص واحتكار الثروة.

 

تجاهل الأزمات المعيشية.. خطاب يغيب عنه الواقع

على الرغم من الانهيار المتسارع للجنيه المصري، وبلوغ التضخم نسبًا قياسية وصلت إلى 38% في مايو 2025، لم يأتِ السيسي بأي ذكر للأزمات التي تحاصر المواطن المصري يوميًا، من نقص الأدوية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتراجع قيمة الأجور.

بل تحدّث عما سماه "صمود الشعب المصري" دون أن يوضح كيف يمكن الصمود مع راتب لا يتجاوز 4 آلاف جنيه لموظف حكومي، في بلد أصبح سعر كيلو اللحم فيه أكثر من 400 جنيه، فغياب الخطاب الاقتصادي الواقعي يعكس استخفاف السلطة بمعاناة المواطنين.

 

نبرة استعلاء وتحدٍ.. السيسي يهاجم خصومه ويتوعد المعارضين

لم يفوّت السيسي المناسبة دون مهاجمة ما سماهم بـ"دعاة الفوضى" و"أعداء الوطن"، في إشارة واضحة إلى القوى السياسية المعارضة، سواء في الداخل أو الخارج.

وقال السيسي: "لن نسمح لمن باعوا أوطانهم أن يعيدوا مشهد الفوضى من جديد"، وهو ما يعكس استمرار النظام في تبني نهج الإقصاء والقمع، لا المصالحة والانفتاح.

تصريحات تعزز مناخ الترهيب في وقت تمتلئ فيه السجون المصرية بأكثر من 60 ألف معتقل سياسي، حسب تقارير منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية".

 

تحريف التاريخ.. تمجيد للانقلاب وقلب للحقائق

السيسي أصرّ في كلمته على وصف ما جرى في 3 يوليو 2013 بـ"ثورة"، متجاهلًا توصيف المجتمع الدولي في حينه بأنه انقلاب عسكري مكتمل الأركان.

كما تجاهل ما تبع الانقلاب من مذابح، أبرزها فض اعتصامي رابعة والنهضة، التي خلّفت حسب تقارير "هيومن رايتس ووتش" أكثر من 800 شهيد في يوم واحد فقط.

مثل هذه التصريحات لا تعكس سوى محاولة مستمرة لإعادة كتابة التاريخ وطمس ذاكرة الأمة، وتُعدّ مؤشرًا على ضعف شرعية السلطة رغم مرور أكثر من عقد على استيلائها على الحكم.

 

ماذا بعد 12 عامًا من الانقلاب؟ حصاد القمع والانهيار

تمر ذكرى الانقلاب هذا العام في ظل تآكل حاد لمقومات الدولة.. ديون خارجية تجاوزت 165 مليار دولار، وبيع أصول الدولة عبر صندوق مصر السيادي لصالح دول الخليج، وتفكك منظومة التعليم والصحة.

تصريحات السيسي، في هذا السياق، ليست إلا انعكاسًا لحالة العجز عن الاعتراف بالفشل، والاحتماء خلف شماعة "الإرهاب والمؤامرات" لتبرير كل الإخفاقات، وبعد 12 عامًا على حكم العسكر، تبدو مصر في أدنى مستوياتها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وهو ما يجعل هذه الذكرى مناسبة لتجديد التساؤلات حول مستقبل بلد أُسِر بقوة السلاح، لا بإرادة المواطنين.