تواجه شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، الذراع التنفيذية لمشروع العاصمة الجديدة الذي يُعد أبرز مشروعات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أزمة مالية خانقة بعد تراكم ديون ضخمة تُقدّر بـ 42.5 مليار دولار، أي نحو 2.126 تريليون جنيه مصري، حسبما كشفت تقارير صحفية واقتصادية مطلعة.
هذا الانكشاف المالي غير المسبوق دفع الشركة إلى اتخاذ قرارات دراماتيكية تشمل بيع أراضٍ واسعة وفتح الباب أمام امتيازات أجنبية لإدارة وتشغيل المرافق الحيوية، في خطوة تعكس مأزقًا كبيرًا يهدد استمرارية المشروع.
 

انفجار ديون "العاصمة".. أرقام تكشف الكارثة
   
تشير الوثائق الصادرة عن وزارة المالية وهيئة المجتمعات العمرانية إلى أن حجم ديون الشركة فاق قدرة التمويل الذاتي للمشروع، وسط تعثر تحصيل الأقساط من المطورين العقاريين والمستثمرين المحليين، وانسحاب عدد من الشركاء بسبب تراجع العائد الاستثماري.

ويؤكد الخبير الاقتصادي د. مصطفى شاهين أن "الديون تعادل 37% من الناتج المحلي الإجمالي المصري بالأسعار الجارية، وهي نسبة كارثية لمشروع عقاري لم يكتمل بعد".
 

بيع 40 ألف فدان.. تفكيك للسيادة أم إنقاذ مالي؟
   في محاولة للخروج من الأزمة، أعلنت الشركة نيتها طرح 40 ألف فدان للبيع، تشمل أراضٍ متميزة في مناطق المال والأعمال والمشروعات السكنية والخدمية، مما يثير مخاوف من سيطرة شركات أجنبية وخليجية على مقدرات المشروع.

كما أفادت مصادر مقربة أن الطرح سيشمل منح امتيازات تشغيل وإدارة المرافق العامة (الكهرباء، المياه، الصرف الصحي، الاتصالات) لصالح شركات إماراتية وصينية وماليزية، وسط غياب رقابة برلمانية فعلية على هذه التعاقدات.

يقول د. عبد الخالق فاروق، الباحث الاقتصادي: "ما يحدث ليس إدارة أزمة، بل بيع ممنهج لأصول الدولة، منح تشغيل المرافق لشركات أجنبية مقابل ديون يعيد إنتاج سياسات الامتياز الأجنبي في العهد الملكي".
 

انسحاب الشركاء
   
من أبرز التطورات اللافتة، انسحاب شركات مقاولات مصرية كبرى مثل "كونكريت بلس" و"حسن علام" من عدة مواقع تنفيذية، بسبب تأخر المستحقات وارتفاع تكاليف البناء بنسبة 40% خلال عام.

كما انسحبت شركتا CSCEC الصينية من توسعات الأبراج بعد مراجعة الجدوى الاقتصادية، وأوقفت شركة "أوراسكوم للتنمية" عمليات تسويق وحداتها السكنية الجديدة داخل العاصمة الإدارية بعد ضعف الإقبال الجماهيري وتراجع القوة الشرائية للمصريين.

وصرح مسؤول سابق في هيئة المجتمعات العمرانية -طلب عدم كشف اسمه- أن "العديد من العقود أُلغيت أو جُمدت دون إعلان رسمي، لتجنّب فضيحة سياسية في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من أزمات حادة".
 

تصريحات حكومية مرتبكة.. وسد للفراغ الإعلامي
   
في المقابل، تحاول حكومة الانقلاب المصرية تقديم صورة أكثر تفاؤلًا، فقد صرّح المتحدث الرسمي باسم شركة العاصمة، العقيد خالد الحسيني، أن "طرح الأراضي يهدف إلى جذب استثمارات جديدة وليس نتيجة أزمة مالية"، وهو تصريح اعتبره خبراء تغطية على الواقع.

كما أكد مصطفى مدبولي رئيس حكومة السيسي أن المشروع "سيكتمل دون تحميل موازنة الدولة أعباء إضافية"، رغم أن تقرير البنك الدولي أشار إلى زيادة الدين العام إلى 96% من الناتج المحلي في 2024، ما ينفي استقلالية التمويل المزعومة.
 

المشروع بات عبئًا على الاقتصاد والمواطن
   
يرى د. هشام عبد الله، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة القاهرة، أن "الرؤية القائمة على بناء عاصمة جديدة معزولة عن الشعب في وقت تعاني فيه المحافظات من العجز في الخدمات، كانت منذ البداية خاطئة اقتصاديًا".

ويدعم هذا التقييم تقرير مركز كارنيغي لعام 2023، الذي أشار إلى أن "العاصمة الإدارية تمثل إعادة تركيز للثروة والسلطة في يد المؤسسة العسكرية وشركاتها".

كما حذر الباحث علي الرجال من أن مشروع العاصمة "يساهم في تفريغ القاهرة القديمة من الوظائف والإدارات والخدمات، بما يخلق فجوة اجتماعية وجغرافية تزيد من تفاقم الانقسام الطبقي في مصر".
 

تداعيات قادمة.. خصخصة البنية التحتية وزيادة الأسعار
   
يرى مراقبون أن بيع المرافق العامة لشركات أجنبية سيؤدي حتماً إلى رفع أسعار الخدمات على المواطنين، كما حدث سابقًا في ملف الكهرباء والمياه، وقد تم تسريب وثيقة داخلية من وزارة الإسكان تؤكد دراسة رفع تعريفة الكهرباء بنسبة 75% داخل نطاق العاصمة الجديدة، تحت ذريعة تحرير السوق وتشجيع الاستثمار.
 

هل تنهار العاصمة الإدارية؟
   
في ظل هذا الواقع المضطرب، بات واضحًا أن مشروع العاصمة الإدارية فقد كثيرًا من بريقه، وبات أقرب إلى "دولة موازية" تمتص موارد البلاد بدلًا من إنعاشها، ومع غياب الشفافية البرلمانية والتغطية الإعلامية المستقلة، يخشى مراقبون أن يتحول المشروع إلى ثقب أسود اقتصادي، يلتهم الموارد والأراضي، ويفرض على الأجيال القادمة أعباء لا طاقة لها بها.

كما يلخّص الخبير الاقتصادي د. أحمد ذكر الله الأمر بالقول: "المشكلة ليست فقط في فشل المشروع، بل في أنه أصبح رمزًا لفشل نموذج الحكم القائم على الاستعراض لا التنمية".
 

نستنتج مما سبق:

  • تراكم ديون شركة العاصمة الإدارية الجديدة وصل إلى 42.5 مليار دولار (2.126 تريليون جنيه)، مع تأخر في سداد مستحقات المقاولين المحليين والدوليين.

  • الشركة تستعد لطرح 40 ألف فدان للبيع ورفع أسعار الأراضي بنسبة 15% لجلب السيولة.

  • منح امتيازات لشركات أجنبية لإدارة المرافق مقابل تخفيف الديون، في خطوة تمثل خصخصة جزئية للمشروع.

  • انسحاب شركات كبرى مثل إعمار الإماراتية و"سي إف إل دي" الصينية بسبب خلافات مالية واستثمارية.

  • تمسك السيسي باستمرار المشروع رغم الأزمة، معتبرًا إياه ضرورة استراتيجية للدولة.

  • المشروع يعتبر مضيعة للموارد ومحاولة لعزل السلطة عن الشعب.

  • تداعيات اقتصادية واجتماعية سلبية تشمل تهديد استدامة المشروع وزيادة الفجوة الطبقية.

تظل العاصمة الإدارية الجديدة نموذجاً على سياسات الإنفاق الغير مدروسة في مصر، التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وسط تساؤلات متزايدة حول جدوى المشروع في ظل هذه الظروف.