أعلنت حكومة الانقلاب عن استمرار تنفيذ ما تصفه بـ"المشاريع التنموية الكبرى" في صعيد مصر، تحديدًا بمحافظة سوهاج، وتشمل هذه المشاريع تطوير وتنسيق طريق المطار بمدينة سوهاج الجديدة، بتكلفة قدرها 43 مليون جنيه، بالإضافة إلى مشروع مستشفى الجراحات التخصصية بجامعة سوهاج، المتوقع تسليمه في سبتمبر 2025.

غير أن هذه الإعلانات، التي يروّج لها الإعلام الرسمي باعتبارها إنجازات كبرى، تثير شكوكًا واسعة في أوساط اقتصاديين  يرون فيها مجرد "لقطات إعلامية" لا تعالج جذور الأزمات التنموية والاقتصادية التي تعاني منها المحافظات المهمشة.

 

تكاليف مرتفعة وغياب الشفافية

بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين، فإن "تكلفة 43 مليون جنيه لتنسيق طريق لا يتجاوز طوله عدة كيلومترات في مدينة لم تصل بعد إلى حد الكثافة السكانية أو العمرانية المطلوبة، تثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق الحكومي وجدواه".

ويضيف شاهين: "في بلد يعاني من عجز موازنة يبلغ نحو 1.2 تريليون جنيه في 2025/2024، وإنفاق ديوني يتجاوز 58% من إجمالي الإيرادات العامة، لا يبدو أن تنسيق طريق في مدينة جديدة هو أولوية منطقية في ظل أزمات الصحة والتعليم والبطالة المتفاقمة".

 

مشروع مستشفى الجراحات.. هل يكتمل؟

أما مشروع مستشفى الجراحات التخصصية، فهو الآخر يواجه شكوكًا واسعة، خاصة مع التاريخ الطويل من المشروعات غير المكتملة في قطاع الصحة، رغم أن المشروع يُتوقع تسليمه في سبتمبر 2025، إلا أن تقارير رقابية سابقة، أبرزها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عام 2022، أشار إلى أن أكثر من 35 % من المشاريع الصحية في الصعيد تأخرت عن جدولها الزمني أو توقفت بسبب ضعف التمويل والفساد الإداري.

كما نقلت صحيفة "المنصة" في تقرير عام 2023، أن 5 مستشفيات عامة في محافظات الوجه القبلي لا تزال مغلقة رغم انتهاء مراحل البناء فيها، لأسباب تتعلق بغياب المعدات ونقص الكوادر.

 

الفساد المؤسسي وفقدان الثقة

يرى الباحث في الشأن المصري بمركز كارنيغي، عمرو عدلي، أن "السيسي وحكومته يعتمدان سياسة إطلاق المشاريع التنموية كأدوات سياسية وليست اقتصادية، حيث تستغل هذه المشاريع إعلاميًا لتحسين الصورة العامة للنظام، بينما تظل معدلات الفقر والبطالة في الصعيد الأعلى على مستوى الجمهورية".

وتشير الإحصاءات الرسمية أن معدل الفقر في محافظة سوهاج بلغ 59% وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2020، وهي نسبة لم تشهد تحسنًا جوهريًا خلال السنوات الأربع الأخيرة رغم وعود التنمية.

كما كشف تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2024 أن مصر تراجعت إلى المركز 136 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد، مما يعكس مناخًا غير مواتٍ للاستثمارات الجادة أو المشاريع المستدامة.

 

"لقطة إعلامية" أم تنمية مستدامة؟

يرى السياسي والبرلماني السابق، الدكتور عمرو حمزاوي، أن "سياسة الحكومة الحالية قائمة على إعطاء الأولوية لما يسهل تصويره وبيعه إعلاميًا للمواطن، بغض النظر عن المردود الفعلي على الأرض"، ويضيف: "ما معنى تنسيق طريق المطار في مدينة لم تصل إلى 10% من طاقتها السكانية؟ ومن سيستفيد منه فعليًا؟".

في السياق ذاته، أكد تقرير صادر عن مركز المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في مايو 2025، أن العديد من مشاريع البنية التحتية في الصعيد لم تُستكمل أو أُهملت فور الانتهاء من مراحلها الأولى، مما يكرّس نمطًا من "تنمية الواجهة" دون تحقيق تنمية حقيقية تشمل الصحة والتعليم والعمل.

 

تداعيات على المواطن والاقتصاد

في ظل أزمة اقتصادية خانقة، وارتفاع معدلات التضخم إلى 32.7 %  في مايو 2025، وبلوغ الدين الخارجي نحو 170 مليار دولار، لا يرى خبراء أن هذه المشروعات قادرة على إحداث تغيير فعلي في حياة المواطنين، بل تُضيف أعباءً مالية على موازنة الدولة دون مردود ملموس.

الخبير المالي هاني توفيق وصف المشاريع بأنها "نزيف للمال العام في مشروعات غير منتجة"، مشيرًا إلى أن التنمية الحقيقية تبدأ بإصلاح المؤسسات، وضمان نزاهة المناقصات، وتحديد الأولويات وفقًا لاحتياجات المحافظات وليس رغبات النخبة السياسية.

تُظهر تجربة مشروع طريق المطار ومستشفى سوهاج صورة مصغّرة لما يمكن وصفه بـ"التنمية المشوهة" في عهد السيسي: مشاريع تُعلن بتكلفة ضخمة، تُستخدم لترويج الإنجاز السياسي، لكنها تفتقر للمتابعة أو التكامل أو العائد الحقيقي على المواطن.

ومع استمرار غياب الشفافية والمساءلة البرلمانية، واحتكار الجيش والهيئات السيادية للقطاعات الاقتصادية، ستظل هذه المشاريع عُرضة للفشل أو الجمود، بينما يستمر المواطن في دفع الثمن من قوته ومستقبله.