في مصر، تعيش فئة كبيرة من المواطنين تحت وطأة ارتفاع أسعار الفاكهة والخضروات، وسط ظروف اقتصادية صعبة وتداعيات سياسية واقتصادية أثرت على القدرة الشرائية للمستهلكين وبائعي التجزئة على حد سواء.

هذا التقرير يستعرض واقع سوق الفاكهة في مصر، معتمدًا على شهادات مباشرة، أرقام وإحصائيات حديثة، وتصريحات سياسية واقتصادية، لتوضيح الأسباب والتداعيات.

تشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة إلى أن إنتاج الفواكه والخضروات في مصر بلغ حوالي 14.7 مليون طن متري من الفواكه و16.1 مليون طن من الخضروات عام 2020، مع زيادة في الإنتاج الزراعي بأكثر من 20% خلال العقد الماضي، لكن معدل النمو السكاني يزيد قليلاً على هذا الإنتاج، مما يضغط على السوق المحلي.

رغم هذا الإنتاج الكبير، يعاني السوق من ارتفاع كبير في الأسعار، فقد شهدت أسعار الفاكهة في مصر ارتفاعات غير مسبوقة منذ بداية 2024، حيث تراوح سعر كيلو الكريز بين 180 و250 جنيهًا، والمشمش بين 80 و110 جنيهات، والمانجو البلدي تخطى 70 جنيهًا للكيلو، أما العنب فبلغ 60-80 جنيهًا بحسب النوع والمنطقة، مع ارتفاع أسعار الخضروات مثل البطاطس من 4 إلى 5 جنيهات والطماطم من 3 إلى 4.5 جنيهات للكيلو.

فقد بات شراء الفاكهة حلمًا بعيد المنال لقطاع واسع من المواطنين، بعدما تحولت من سلعة غذائية يومية إلى "رفاهية" لا يقدر عليها إلا الميسورون، وعلى وقع الانهيار الاقتصادي وتدهور الجنيه، تتزايد شكاوى المصريين يومًا بعد يوم، موثقة في فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت هاشتاجات مثل #الفاكهة_للغني و #كيلو_المشمش_ب100جنيه في دلالة على مأساة معيشية تتفاقم.

عبد العاطي عبد النبي شحاتة، بائع فاكهة متجول وحاصل على شهادة جامعية، يعكس معاناة الباعة الصغار الذين لا يوفر لهم عملهم أمانًا اقتصاديًا، حيث يبلغ دخله اليومي حوالي 50 جنيهًا، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية احتياجات أسرته في ظل ارتفاع الأسعار المستمر للوقود والغاز والتعليم والصحة.

يشير شحاتة إلى أن تكاليف النقل والتخزين ارتفعت بسبب زيادة أسعار الكهرباء والوقود، ما يرفع من هامش الربح الذي يضطر البائعون لرفعه على المستهلكين، مما يزيد من معاناة المواطن البسيط.

ووفقًا لبيانات غرفة الحاصلات الزراعية باتحاد الغرف التجارية، فقد ارتفعت أسعار الفاكهة بنسبة ما بين 150% و300% خلال عام واحد، ما جعلها خارج نطاق الاستهلاك اليومي لمعظم الأسر.

يقول الحاج مصطفى، موظف بالمعاش من الجيزة، في مقطع متداول على فيسبوك: "أنا عندي 68 سنة، عمري ما شفت الكيلو ب100 جنيه، إحنا كنا بنشتري شنطة فاكهة بـ10 جنيه زمان!".

 

شهادات صادمة.. وفيديوهات تفضح الواقع

على تيك توك ويوتيوب، تنتشر فيديوهات تصور مواطنين مذهولين من الأسعار في الأسواق، خاصة بمنطقتي إمبابة وعين شمس، حيث يعجز كثيرون حتى عن سؤال البائع خشية الإحراج.

في أحد المقاطع، يقول شاب من شبرا: "أنا شغال 12 ساعة في اليوم بـ150 جنيه، يعني لو جبت كيلوين فاكهة لعيالي، يبقى أكلنا إيه تاني؟".

وتوثق تقارير من موقع "المنصة" و"مدى مصر" مشاهد لسيدات كبيرات في السن يتفاوضن مع البائعين على شراء نصف كيلو أو حتى ربع كيلو من الفاكهة.

 

الحكومة تتجاهل.. و"السيسي" يصور "الاكتفاء الذاتي"

رغم هذه الأزمة، يواصل الإعلام الموالي لنظام الانقلاب عن "إنجازات السيسي" في مجال الزراعة، مثل مشروع "مستقبل مصر" الذي أعلن عنه عام 2020 بمساحة 1.5 مليون فدان، إلا أن خبراء أكدوا أن هذه المشروعات لم تؤدِ إلى انخفاض الأسعار.

في تصريحات له في ديسمبر 2023، قال قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي: "إحنا بنتوسع زراعيًا بشكل غير مسبوق... والمصريين لازم يصبروا شوية".

لكن الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي، علّق في مقال له بموقع العربي الجديد بأن "هذه المشروعات الزراعية تخدم التصدير لا السوق المحلي، وهي مشاريع تحت إدارة القوات المسلحة وتُباع فيها المنتجات بأسعار سوق حر لا تراعي الفقراء".

 

الأسباب الحقيقية: تضخم وفساد واستيراد

يرجع خبراء أسباب الأزمة إلى عدة عوامل أبرزها:

  • التضخم المتسارع: حيث تجاوز معدل التضخم السنوي في مصر حاجز 32% في أبريل 2025، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
  • انهيار الجنيه: فقد انخفضت قيمة العملة المحلية بنسبة تفوق 60% أمام الدولار خلال عامين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات وأجور النقل.
  • غياب الرقابة الحكومية: إذ أشار تقرير للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن الأسواق تعمل دون آليات ضبط حقيقي للأسعار، وسط هيمنة سلاسل توريد يسيطر عليها كبار التجار.
  • تفضيل التصدير: بحسب بيانات وزارة الزراعة، صدّرت مصر ما يزيد عن 5.6 مليون طن فاكهة وخضروات في 2024، ما تسبب في نقص المعروض داخليًا.

 

يشير الباحث الاقتصادي مصطفى يوسف، في دراسة نشرتها مؤسسة كارنيغي، إلى أن "تآكل القدرة الشرائية في مصر بلغ ذروته، حيث تقلصت الطبقة المتوسطة إلى أقل من 15% من السكان، مقارنة بـ35% في 2011".

وفي استطلاع لمركز بصيرة، قال 72% من المصريين إنهم لا يشترون الفاكهة بانتظام، في حين أكد 41% أنهم لم يتناولوا فاكهة طازجة خلال الشهر الأخير.

 

"هذا فشل سياسي لا اقتصادي فقط"

في بيان لحركة "العيش والحرية"، اعتبرت أن الأزمة الغذائية في مصر "نتاج مباشر لنهج اقتصادي قائم على الإنفاق العسكري والمشاريع الشكلية على حساب احتياجات المواطن الأساسية."، ودعت إلى إعادة توجيه الإنفاق العام وفرض ضرائب على الثروات الكبيرة بدلاً من تحميل الفقراء كلفة الأزمة.

وفي مقابلة مع قناة "الشرق"، صرح الخبير الاقتصادي الدكتور محمود وهبة: "في دولة بها 106 ملايين إنسان، لا يمكن أن تصبح الفاكهة سلعة نادرة، ما يحدث هو فساد وهيمنة أمنية على الاقتصاد وتفكيك ممنهج للطبقة المتوسطة."