في خطوة أثارت الكثير من الجدل، أعلن محافظ الدقهلية، الدكتور أيمن مختار، يوم 10 يونيو 2025، عن بدء تطبيق خطة حكومية لترشيد استهلاك الكهرباء، تشمل إلزام المحال التجارية بالإغلاق في تمام الساعة 11 مساءً، وذلك ضمن حزمة من الإجراءات التي قالت المحافظة إنها تهدف إلى "مواجهة الأزمات الاقتصادية والطاقة في البلاد"، ويأتي القرار في ظل ما تصفه حكومة الانقلاب بـ"الضغوط المتزايدة على الشبكة الكهربائية الوطنية"، وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة تمر بها مصر منذ سنوات.
جاء إعلان محافظ الدقهلية متزامناً مع تعليمات حكومية مركزية أصدرتها وزارة التنمية المحلية بحكومة الانقلاب في القاهرة منتصف يونيو، تضمنت تشديد الرقابة على مواعيد غلق المحال، وتشجيع الجهات التنفيذية في المحافظات على "ضبط أنماط استهلاك الطاقة"، في ظل موجات الحر المتكررة وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متزايد.
ونص القرار المحلي في الدقهلية على أن المحال والمراكز التجارية ستغلق أبوابها يومياً الساعة 11 مساءً صيفاً، مع استثناءات للمطاعم والمقاهي حتى الواحدة صباحاً، فيما يتم غلق الورش والمصانع عند الساعة 10 مساءً.
يرى باحثون اقتصاديون أن القرار لا يعكس خطة إصلاح بقدر ما يُعد "رد فعل متأخر على فشل حكومة الانقلاب في إدارة الموارد والطاقة"، فقد بلغت مديونية قطاع الكهرباء في مصر أكثر من 270 مليار جنيه، بحسب تصريحات سابقة لوزير الكهرباء محمد شاكر في أبريل 2024، في حين تعاني مصر من عجز متصاعد في الوقود اللازم لتشغيل المحطات، بسبب انخفاض إنتاج الغاز المحلي وتراجع الإمدادات القادمة من دولة الاحتلال منذ ديسمبر 2023.
وتشير تقارير صادرة عن "الشبكة العربية لحقوق الإنسان" ومراكز بحث مستقلة إلى أن الانقطاعات المتكررة للكهرباء، خصوصاً في محافظات الدلتا والصعيد، لم تعد استثناء بل أصبحت جزءاً من "الروتين اليومي" منذ صيف 2023، ما دفع الحكومة إلى تفعيل إجراءات تقشفية تمس حياة المواطنين مباشرة، عوضاً عن محاسبة المسؤولين عن سوء التخطيط والفساد المستشري في قطاع الطاقة.
تصريحات رسمية… وواقع مختلف
قال محافظ الدقهلية بحكومة الانقلاب خلال مؤتمر صحفي عُقد بديوان عام المحافظة إن "ترشيد الكهرباء أصبح مسؤولية مجتمعية، والإغلاق المبكر للمحال يساعد في الحفاظ على الطاقة وخفض العبء على الشبكة"، مضيفاً أن "هناك لجانًا للمتابعة الميدانية في كافة المراكز ستراقب تنفيذ القرار".
غير أن أصحاب المحال والأنشطة التجارية أعربوا عن استيائهم، معتبرين أن القرار "يضرب الاقتصاد المحلي في مقتل".
يقول أحمد عبد العال، صاحب محل في مدينة المنصورة: "الزبائن في الصيف لا تبدأ التوافد إلا بعد العاشرة ليلاً، والقرار يهدد أرزاق مئات الآلاف من الأسر العاملة في هذا القطاع".
قرارات بوليسية بلا بدائل
من جهتها، انتقدت قوى سياسية معارضة القرار، واعتبرته استمراراً لنهج "الحكم العسكري" في إصدار قرارات فوقية لا تستند إلى رؤية اقتصادية أو اجتماعية متكاملة، وقالت الدكتورة هالة فوزي، الباحثة في الاقتصاد السياسي، في تصريح نشره مركز كارنيغي -فرع الشرق الأوسط- إن "السلطة الحالية لا تملك حلولاً جذرية وتستبدل الإصلاح الحقيقي بإجراءات رمزية، تحمل المواطن وحده تبعات الأزمة".
وتابعت: "إغلاق المحال ليس سياسة توفير بقدر ما هو تعبير عن الانسداد الذي وصلت إليه سياسات حكومة السيسي، التي أنفقت عشرات المليارات على مشروعات غير منتجة كالعاصمة الإدارية الجديدة، بينما أهملت البنية التحتية وشبكات الطاقة".
هل تنجح حكومة الانقلاب في تطبيق الإجراء؟
تطبيق القرار عملياً يبدو محفوفاً بالصعوبات، فبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ عدد المحال التجارية الصغيرة والمتوسطة في محافظة الدقهلية وحدها ما يفوق 125 ألف محل، معظمها يعمل لفترات مسائية لارتباطه بطبيعة حياة السكان في مدن الدلتا.
ويرى الخبير الإداري الدكتور مجدي حلمي أن "غياب الحوافز الاقتصادية، وغياب الشفافية حول جدوى الإجراء، وعدم تقديم بدائل لأصحاب المحال، سيؤدي على الأرجح إلى تحايل واسع النطاق، ومواجهة بين الأجهزة التنفيذية والمواطنين".
وفي استطلاع رأي أجراه مركز "بصيرة" منتصف مايو 2025، قال 62% من المواطنين إنهم يرفضون قرارات إغلاق المحال مبكراً، معتبرين أنها "تزيد من المعاناة المعيشية"، بينما رأى 24% فقط أنها قد تكون فعالة إن توفرت بدائل للنقل والطاقة والإضاءة العامة.
إذا استمرت الحكومة في فرض القرار بشكل صارم، فقد نشهد موجة جديدة من الاحتقان الاجتماعي، خاصة في ظل تفاقم البطالة وتراجع القوة الشرائية، كما يُخشى أن يؤدي التضييق على الأنشطة التجارية إلى زيادة النشاط الموازي (الاقتصاد غير الرسمي)، ما يفاقم أزمة التحصيل الضريبي.
وفي غياب معالجة جذرية لأسباب الأزمة من نقص الطاقة إلى سوء إدارة الموارد تبقى قرارات مثل إغلاق المحال في الساعة 11 مساءً مجرد "مسكنات مؤقتة"، تحمل المواطن وحده تكلفة فشل السياسات الاقتصادية للنظام الحالي.