تلقت النيابة العامة في حكومة الانقلاب شكاوى من نساء مصريات تعرّضن لتفتيش مهين وصل حد التحرش الجنسي خلال زياراتهن لسجن المنيا شديد الحراسة. الشكاوى، التي رُفعت بدعم من منظمات حقوقية، تكشف عن إجبار الزائرات على خلع الملابس، بما في ذلك فتيات صغيرات، في ما وصفنه بـ"مهزلة لا إنسانية".

 

"تحرّش لا تفتيش": شهادات مؤلمة

بحسب "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، روت زائرات تجارب مهينة داخل غرفة التفتيش، مؤكدات أن بعض الإجراءات بلغت حد "التحرش الجسدي الصريح". سيدة قالت إنها لن تصطحب بناتها مجددًا: "مشهد التفتيش جرحني وجرحهم". أخرى وصفت الوضع بـ"التحرش المغلّف بالأمن"، داعية نساء أخريات لتقديم شكاوى.

إحدى بنات المعتقلين صرحت: "نعود من الزيارة ووجوهنا مغطاة بالذل. نتجنّب النظر إلى بعضنا من شدة الإهانة"، مشيرة إلى أن ما يحدث يهدف لـ"كسرنا نفسيًا"، وأكدت أن بعض زوجات السجناء الجنائيين يتعرضن لتفتيش عارٍ.

 

رصد حقوقي: الانتهاكات تتصاعد

الحقوقي المصري أحمد العطار أكد أن الشبكة وثّقت خلال السنوات الماضية تفتيشًا ذاتيًا مهينًا للنساء في عدة سجون، لكن الانتهاكات في سجن المنيا تشهد تصاعدًا ملحوظًا مؤخرًا. وقال: "بعض الزائرات حاولن بالفعل تهريب ممنوعات، لكن هذا لا يبرر تعميم الإهانة والتحرش على الجميع".، وفقًا لـ"عربي21".

وأضاف: "هل تعاقب الزائرات ككل بسبب أخطاء بعضهن؟ لا بد من استخدام أدوات تفتيش حديثة تحترم كرامة النساء".

 

"الزيارة ليست رفاهية بل حق"

"مركز الشهاب لحقوق الإنسان" طالب بوقف ما وصفه بـ"الانتهاكات الممنهجة"، مؤكدًا أن زيارة المسجون حق قانوني لا يجوز تحويله إلى تجربة قهر نفسي. وسأل المركز: "لماذا يُهان الزوار وخاصة الأطفال؟ ولماذا يُعاقَب المعترضون على التفتيش المهين؟".

 

قانونيًا ودستوريًا: الجريمة واضحة

بحسب "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" ومنظمات حقوقية أخرى، ما يجري لا يُعد إجراءً أمنيًا، بل "وسيلة إذلال وانتهاك". وتؤكد هذه المنظمات أن طريقة التفتيش تخالف المادة (51) من الدستور المصري التي تنص على أن "الكرامة حق لكل إنسان"، والمادة (60) التي تُجرم الاعتداء على جسد الإنسان.

اللائحة الداخلية للسجون المصرية تشدد على ضرورة أن يكون تفتيش الزائرات "على نحو يحترم آدميتهن، ودون مساس غير ضروري بأجسادهن".

 

التحرش في غرف التفتيش... ووراء القضبان

تتجاوز الانتهاكات حدود غرف التفتيش لتصل إلى داخل الزنازين ومراكز الاحتجاز، وفق شهادات لمعتقلات سابقيات وثّقتها "عربي21" ومنظمات دولية. إحدى المعتقلات قالت إن الأمن الوطني أطلق الجنائيات ضدهن، ووصفتهن بـ"المسجلات خطر"، ما أدى إلى تعرضها لمحاولة اغتصاب ودفعها لمحاولة انتحار.

في مركز شرطة الزقازيق، كشفت سجينة سابقة عن تحرّش جنسي مباشر من ضابط واثنين من المخبرين خلال التفتيش الذاتي، وهو ما وصفته بـ"وضع غير آدمي ومهين".

 

تقارير موثقة: العنف الجنسي ممنهج

عدة تقارير، منها تقرير "لا أحد آمن" الصادر عن منظمات مصرية ودولية، وثقت ممارسة ممنهجة للعنف الجنسي داخل أماكن الاحتجاز. من بينها حالات تعذيب بالصعق الكهربائي في الأعضاء التناسلية، وتهديد بالاغتصاب لنزع اعترافات أو إذلال المسجونات السياسيات.

 

القانون يجرّم والتحقيق غائب

وفق تعديلات قانون العقوبات المصري في 2020 و2021، يعاقب التحرش الجنسي بالسجن سنتين وغرامة تبدأ من 100 ألف جنيه، وتصل العقوبة إلى السجن المشدد أو المؤبد إذا كان التحرش استغلالًا للسلطة أو بلغ حد الاغتصاب.

ومع ذلك، يؤكد حقوقيون أن "الإفلات من العقاب" هو القاعدة، بسبب صعوبة إثبات الوقائع، خاصة حين يكون المتحرش من ذوي النفوذ داخل منظومة الأمن.

 

قمع ممنهج منذ الانقلاب

منذ 2013، تعيش مصر موجة من القمع الأمني تطال أكثر من 60 ألف معتقل، وفق منظمات حقوقية. ويعيش هؤلاء في ظروف "لاإنسانية" تشمل الإهمال الطبي، وسوء المعاملة، والحرمان من الزيارة، وسط تجاهل رسمي للشكاوى أو المقترحات الحقوقية.

"مركز النديم" وثّق 426 انتهاكًا في مايو 2025 فقط، بينها حالات قتل وتعذيب وتدوير قضايا، وأشار إلى تصاعد الانتهاكات داخل السجون، خاصة ضد النساء.

التحرش الجنسي بالنساء في السجون وأثناء الزيارات لم يعد مجرد حوادث فردية، بل بات جزءًا من منظومة قمع تتجاهل القوانين والدستور وحقوق الإنسان الأساسية. ويؤكد الحقوقيون أن إنهاء هذه الانتهاكات يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحًا جذريًا في بنية المنظومة الأمنية، ومحاسبة جادة للمسؤولين عنها.