أصدرت هيئة محلفين فيدرالية أمريكية، حكمًا بإلزام شركة NSO Group الإسرائيلية بدفع تعويضات عقابية بقيمة 168 مليون دولار لشركة واتساب المملوكة لـ"ميتا"، بعد إدانتها بتنفيذ حملة اختراق إلكترونية استهدفت أكثر من 1400 مستخدم حول العالم، من نشطاء وصحفيين ومعارضين سياسيين، باستخدام برمجية "بيغاسوس" الشهيرة.

يمثّل هذا الحكم نهاية فصل قضائي دام خمس سنوات، ويُعد الأول من نوعه الذي يُحمّل شركة تكنولوجيا تجسس تجارية مسؤولية قانونية مباشرة عن عمليات اختراق غير قانونية على نطاق عالمي، في وقت تتزايد فيه المخاوف الدولية من استخدام مثل هذه الأدوات لقمع الحريات وانتهاك الخصوصية.
 

حملة اختراق عالمية... ضحايا في 51 دولة
   تعود وقائع القضية إلى عام 2019، حين اكتشف مهندسو واتساب هجومًا سيبرانيًا استغل ثغرة في خاصية المكالمات الصوتية، سمحت بحقن برنامج "بيغاسوس" في هواتف الضحايا دون الحاجة إلى تفاعل منهم.
ووفق وثائق المحكمة، طال الاختراق مستخدمين في 51 دولة، من بينهم:

  • 456 ضحية في المكسيك
  • 100 في الهند
  • 82 في البحرين
  • 69 في المغرب
  • 58 في باكستان

وبلغ إجمالي الضحايا أكثر من 1400 شخص، بينهم صحفيون، محامون، مدافعون عن حقوق الإنسان، ومسؤولون حكوميون.
 

خرق للقانون الأمريكي... من كاليفورنيا إلى العالم
   أكدت القاضية الفيدرالية فيليس ج. هاميلتون أن برمجية "بيغاسوس" استخدمت لاختراق خوادم واتساب الموجودة في كاليفورنيا 43 مرة خلال مايو 2019، ما يشكّل خرقًا واضحًا للقوانين الفيدرالية وقوانين الولاية، فضلاً عن انتهاك شروط استخدام واتساب.

واستنادًا إلى وثائق المحكمة، فإن NSO قدمت الدعم الفني لعملائها خلال هذه العمليات، مما يجعلها "شريكًا مباشرًا" في تنفيذ الانتهاكات وليس مجرد مزود للتكنولوجيا.

وقدّرت واتساب الخسائر التشغيلية التي لحقت بها بـ444,719 دولارًا، نتيجة توجيه فرق هندسية لإصلاح الخلل وتأمين البنية التحتية. أما التعويضات العقابية فبلغت 167,254,000 دولار.
 

"سابقة تاريخية": انتصار للخصوصية... ورسالة لصناعة المراقبة
   رحّب مسؤولو واتساب بالحكم، واعتبروه "تاريخيًا". وقال ويل كاثكارت، رئيس واتساب، إن القرار يشكّل "سابقة قضائية مهمة ورادعًا واضحًا لصناعة التجسس التجاري"، معلنًا أن الشركة تعتزم التبرع بجزء من مبلغ التعويض لمنظمات حقوقية تعمل على الدفاع عن الأفراد من الرقابة الرقمية.

من جانبه، وصف زيد السواح، المتحدث باسم واتساب، القرار بأنه "أول انتصار قضائي من نوعه ضد برمجيات التجسس التجارية"، مؤكدًا أنه "خطوة حاسمة نحو حماية الخصوصية وتعزيز المساءلة الرقمية".

أما الباحث في مؤسسة Citizen Lab، جون سكوت رايلتون، فاعتبر الحكم "لحظة مذهلة"، كاشفًا أن هيئة المحلفين لم تحتج سوى يوم واحد لتأكيد مسؤولية NSO، التي قال إنها "تجني الملايين من تمكين الأنظمة القمعية من التجسس على مواطنيها".
 

دفاع NSO: "نحارب الإرهاب"... والمحكمة: "تبريرات واهية"
   وفيما عبّرت NSO عن نيتها استئناف الحكم، مؤكدة أنها ستتخذ "الإجراءات القانونية المناسبة"، وجدّدت الشركة الإسرائيلية دفاعها المعتاد بأنها "توفر تقنيتها للحكومات فقط، لأغراض مكافحة الإرهاب والجريمة"، وهو تبرير رفضته القاضية هاميلتون، التي شددت على أن الشركة "لا يمكنها الادعاء بمكافحة الإرهاب، بينما تقدم دعماً فنياً لعملاء مجهولي النية دون رقابة".

وقالت القاضية إن ادعاء الشركة بالجهل حول كيفية استخدام تقنيتها "يتناقض مع طبيعة الخدمات التي تقدمها"، مؤكدة أن دعمها التقني يجعلها "مسؤولة شريكة في تنفيذ الانتهاكات".