وسط أوضاع اقتصادية خانقة وقلق متزايد من تداعيات تعديل قانون الإيجار القديم، شهدت أسعار الإيجارات السكنية في القاهرة الكبرى ارتفاعًا حادًا تخطى حاجز الـ60% منذ مطلع العام الجاري، لتدخل بذلك شريحة واسعة من المواطنين في دوامة بحث مرهقة عن سكن يناسب دخولهم المتآكلة.
ووفقًا لمتعاملين في السوق العقاري، فقد قفز متوسط الإيجار الشهري للوحدة السكنية في القاهرة والجيزة والقليوبية إلى نحو 4 آلاف جنيه شهريًا، مقارنةً بـ2500 جنيه فقط بنهاية 2024، في واحدة من أسرع موجات ارتفاع الإيجارات في السنوات الأخيرة.
ضغوط اقتصادية.. وملاك يبحثون عن النجاة
يُرجع عادل سليمان، رئيس مجلس إدارة إحدى شركات التسويق العقاري بمحافظة القليوبية، هذا الارتفاع الحاد إلى "الضغط الاقتصادي غير المسبوق على الملاك"، الذين باتوا، بحسب قوله، يبحثون عن مصادر دخل تتناسب مع تكاليف المعيشة التي ارتفعت بشكل كبير خلال الشهور الماضية.
وأضاف سليمان: "الأسعار قفزت بشكل جنوني في مناطق مثل شبرا الخيمة وقليوب والخصوص.. لم يعد هناك إيجار بألفي جنيه، بل المتوسط الآن بين 3500 و5500 جنيه شهريًا، وأحيانًا أكثر حسب الموقع والتجهيزات".
ارتفاع أسعار الشقق.. فأين المنطق في الإيجار؟
من جهة أخرى، يرى خبراء بالسوق العقاري أن جزءًا من مبررات الملاك لرفع أسعار الإيجار يرتبط بزيادة أسعار الوحدات نفسها، إذ بلغ متوسط سعر الشقة السكنية الجديدة في أطراف القاهرة الكبرى حوالي مليون جنيه، وهو ما يجعل تأجيرها بمبالغ زهيدة أمرًا غير منطقي من وجهة نظرهم.
ويقول سليمان: لا يمكن لمن اشترى وحدة سكنية بهذا الرقم أن يقبل بتأجيرها بألف أو ألفين جنيه، مضيفًا أن هذا التفاوت بين أسعار الشراء والإيجار بات عاملًا ضاغطًا على الملاك، ودافعًا لتعديل العقود القديمة وتقليص مدد الإيجار الجديدة.
قانون "الإيجار القديم".. الفيل في الغرفة
تسود حالة من القلق في أوساط المستأجرين والمهتمين بالشأن العقاري مع استمرار مناقشة البرلمان لمشروع تعديل قانون الإيجار القديم، خاصة بعد صدور أحكام قضائية تسمح بالإخلاء في بعض الحالات.
ويرى أسامة سعد، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، أن هذه التحركات التشريعية "خلقت موجة توقعات بين الملاك بأن العقود القديمة سيتم تعديلها أو إنهاؤها"، ما دفع العديد منهم لرفع الإيجارات الجديدة تحسبًا لفقدان ما كانوا يعتبرونه البديل "الأرخص" أو "الآمن" لتأجير وحداتهم.
ويضيف سعد: "كلما تضاءلت فرص المالك في إيجار شقته بأرقام معقولة ضمن قانون الإيجار القديم، كلما رفع سعر التعاقدات الجديدة لتعويض ذلك".
الجالية السودانية.. عامل إضافي للضغط
في مناطق مثل فيصل والهرم وبولاق الدكرور، ساهم تزايد الطلب من الجالية السودانية – الفارين من الحرب الأهلية في بلادهم – في رفع أسعار الإيجار لمستويات فاقت قدرة المصريين على المنافسة، خاصة في الشقق المفروشة.
ويشرح الوسيط العقاري أشرف سطوحي أن "الأسر السودانية تقبل دفع 15 إلى 25 ألف جنيه شهريًا مقابل الشقة، على أن تسكن فيها أكثر من أسرة واحدة، مما يجعل تكلفة الإيجار على كل أسرة أقل رغم ارتفاع القيمة الإجمالية".
وأضاف سطوحي أن هذا الوضع أدى إلى "تغير في نمط العقود"، إذ بات الملاك يفضلون عقودًا قصيرة المدة (عامين أو ثلاثة فقط) مع زيادة سنوية بنسبة 10%، بدلاً من العقود الممتدة لخمس أو سبع سنوات كما كان الحال سابقًا.
نتائج اجتماعية خطيرة.. الفقراء في مهب الريح
أمام هذا الواقع الجديد، يجد كثير من المستأجرين أنفسهم في مواجهة خيارات قاسية: إما القبول برفع الإيجار أو الانتقال إلى مناطق أبعد وأقل تجهيزًا، ويخشى خبراء اجتماعيون من أن يؤدي هذا الاتجاه إلى مزيد من التهميش للفئات محدودة الدخل، وربما إلى زيادة معدلات التكدس في مناطق عشوائية أو أقل أمانًا.
كما يُخشى من أن تؤدي هذه الطفرة في الأسعار إلى ركود إضافي في سوق الشراء، إذ يعجز الكثيرون عن الادخار في ظل الإيجارات المرتفعة، مما يعمق أزمة الإسكان ويفاقم الضغط على الطبقة الوسطى.