م/ محمد أنور رياض
كتاب العلمانية الذين يهاجمون الإخوان لم يدركوا سر انتشارهم لدرجة قيام العديد من المراقبين بتصنيفهم علي أنهم القوة السياسية الأولي في مصر بل و زاد من دهشتهم وجود معادلة رياضية مفادها أنه كلما زاد حسادهم تضاعف عدد محبيهم و ارتفع شأنهم ... و السر الذي ليس سرا و انما انغلق فهمه علي هؤلاء الذين أغلقوا كل منافذ الفهم علي أسبابه ــ بعكس ما يدعونه من اتباعهم الحداثة و ريادتهم في التحليل العلميـــ ... السر بمنتهي البساطة هو حيوية الجماعة و تماسكها و امتلاكها آليات التطور و التفاعل مع الزمن.... و من يريد المزيد فلينظر إلي هيكلها الإداري وبنيانها المرصوص الذي يقوم علي بناء الإ نسان الذي اختصه الله بالتكريم و أمر الملائكة بالسجود له في مناخ من الأخوة و التضامن الأسري و إعلائها لقيم إنكار الذات و التضحية و خدمة الغير كنوع من التعبد و القربي إلي المولي عز وجل ...الإخوان ــ بعكي ما يشيعون ــ هم رواد التقدمية و الأخذ بأسباب العصر الحديث في حين توقف الزمن بالآخرين الذين تفرغوا لمهاجمة الإخوان عند الخمسينات و بعضهم قبل ذلك ...و يحضرني في هذا المقام مشهد لم يغب عن الذاكره بعد عندما قام تسوماني من التحليلات التي صاحبت إعلان أخونا الصابر المجاهد أستاذنا مهدي عاكف عن اعتزاله موقع المرشد و رجوعه جنديا في الصف و بدلا من الإشادة بهذا الموقف الغير مسبوق في بلد يتأبد فيه كل من يجلس علي كرسي من كراسي السلطة قوبل قراره بعاصفة إعلامية تنكر خلالها من صدعوا رءوسنا بتداول السلطة لدعاويهم علي اعتبار أن الإخوان صنف آخر من الناس كل ما يفعلونه جدير بالإدانة ومن غير مسموح الإشادة بأي عمل لهم ..... تحركت ماكينة الهجاء و الدس لتلفظ سمومها عن صراع يدور بين تيار اليمين من المحافظين و تيار اليسار من الإصلاحيين وعن القطبيين الذي يخطفون الجماعة و صوروا الإخوان و كأنهم جماعة قامت علي بعض طحن بالكراسي و لم ينقص كذبهم إلا عن ذكر عدد الجرحي وسيارات الإسعاف التي نقلتهم وأسماء من في حالة حرجة تم علي أثرها دخولهم غرف العناية المركزة ...ثم دارت الأيام لتكذب ظنهم بل و تسفر عن قادة من الجيل الوسط كلل الله جهادهم و إخلاصهم بأن تم في عهدهم التخلص من حكم مبارك التعيس نعمة وهبة و نصرا من عنده لمن ينصره بل و أصبح مرشدهم علي لائحة كل من يزور مصر من قادة الدول سعيا لمقابلته بعد أن كان ممنوعا ذكر اسمه حتي في عزاء صفحة الوفيات ... هل توقفوا عن دسهم ... و هل غيروا و استحدثوا و جددو ...أبدا
لا أريد أن أتكلم بإفاضه عن الحشد و الأبواق الإعلامية التي ليس لها شغل سوي الكلام عن المرأة و الأقباط و تطبيق الحدود بقصد زرعها في وعي العامة من الشعب فزاعة ومانعا و عائقا و تنفيرا من المنهج الإسلامي ... و لا أريد أن أذكر أساليبهم الغير أخلاقية في نصب الكمائن الإعلامية باستضافتهم من يتوسمون فيه ضعفا في المعرفة و الأداء الإعلامي ليكون ممثلا للطرف الإسلامي في مقابل طرف متمرس بالزور وأسطي في التدليس .. يذكرني ذلك بشكوي سيدنا عمر بن الخطاب عندما قال اللهم إليك أشكو ضعف التقي و قوة الفاجر ...ولكن سأتناول نموذجين آخرين تصدرا المشهد في الآونة الأخيرة...
رفعت السعيد ... و ما كنت أود ذكر اسمه لولا مداخلة في أحد البرامج الحوارية فإذا به يقحم إسم الإخوان بدون مناسبة علي اعتبارهم أنهم لم يشاركوا في الثورة في يومها الأول و إنما ركبوا موجتها و هي أكاذيب يروجونها دحضها العديد من الشهود حيث كان شباب الإخوان في القلب منها تخطيطا و مشاركة و حماية و شهداء و جرحي و تعرض قادتهم لاعتقال وقائي قبل قيامها بساعات لرفضهم تحذيرات أمن الدولة بأن يلزموا بيوتهم ولا ينزلوا إلي الشارع و لا ينكر إلا الأعمي جهادهم السابق علي الثورة مما كان له أكبر الأثر في التمهيد للتخلص من حكم مبارك ومن ورائه مخابرات الغرب و بني صهيون و كان وقودها ما نالوه من عنت و ملاحقة اعتقالا و مصادرة لأرزاقهم طوال سني حكمه البئيس ...و هم لا يمنون علي أحد بذلك ... رفعت السعيد يقول متفاخرا عندما ظهر الخلاف حول قوائم المرشحين أنه حذر الوفد من التحالف مع الإخوان و و بصرف النظر عن بعد نظر السعيد ( الِفتك ) و باستبعاد تهمة من يستخدم من.. ومن الأكثر استفادة ممن التي أثارها ....فإن المعلوم بالضروة في السياسة أن تقوم تحالفات يري كل طرف أنها تحقق له مصلحة ما... و هي تحالفات مهما طال زمنها فإنها عرضة للفراق ... و من السذاجة رمي أحد أطرافها بأنه دخل فيها بعد أن سقاه الطرف الآخر حاجة أصفرا و المدقق في أحوال الساحة السياسية و ظروفها الموضوعية يري أن الإخوان هم من يحمل كل العبء في هذا التحالف تنازلا و إنكارا لذواتهم في سبيل معني مثاليا و رائعا و هو أن المرحلة و مصلحة مصر و مشاكلها المتجذرة و المتشابكة لابد فيها من مشاركة الجميع في توحد و تفرغ للبناء بدلا من مشاحنات تتبدد فيها الجهود ...و يضيع معها المواطن ..
هذا بعض من كل ... و لا أريد أن أذكر السعيد بمفاوضاته مع صفوت الشريف الذي خدعه بتخصيص ( كوته ) له في الانتخابات الأخيرة ... ثم ضربه البمبة العظيمة و استخسر أن يعطيه كرسي و لو في طرقة مجلس الشعب ...و لا أريد أن أذكره بأنه كان جزءً من نظام مبارك باعتباره أحد رؤساء حزب كان المفروض فيه حسب مبادئه أن يكون مدافعا عن حقوق الطبقة الكادحة فاكتفي من النضال الجامد بخطبة عصماء في مجلس الشوري محذرا من ثورة الجياع و هو ما كان يُنظر إليه علي اعتبار أنه ( تفييص و حعجعة)لا وزن له و هونفس ما كان مسموحا أن يكتبه و يقوله أي صحفي مبتدئ في جرايد الحكومة ... السعيد لم يعتذر حتي تاريخه من ارتكابه خطيئة قبوله كرسي في مجلس الشوري بالتعيين في حين كان دخول الشوري محرما علي الإخوان و خط أحمر يستباح فيه استخدام كافة أنواع التزوير و البلطجة ... بقي سؤال لا أجد له جوابا هو كيف يستمر واحدا في ساحة السياسة عشرات السنين بل و يصبح رئيس حزب و كل رأسماله هو عداءه للإخوان و كل كفاحه كان موجها ضدهم و كل ما يفعله بإصرار هو الهجوم عليهم قبل الأكل و بعده .... حد عنده إجابه ؟؟؟؟ ...يا مُسهِّل ...
المثال الثاني هو هيكل ( الأستاذ )
و قد أغناني عن كثيرمما يمكن أن يقال هو ما كتبه الدكتور محمود غزلان في مقال رائع نشره الأهرام ردا علي ماكتبه هيكل أخيرا عن الإخوان و الإمام البنا و لا يعيب مقال الدكتور غزلان سوي الأدب الشديد و اللهجة المتزنة و الموضوعية المتأنية في تفنيد ما جاء به هيكل علي أنه حقيقة مطلقة لا يملكها غيره و فكرا صائبا لا يراها سواه علي اعتبار أنه حكيم السياسة و قاموس الصحافة و رغم أنني وددت لو أن الدكتور غزلان استخدم بعضا من العبارات الموضوعية و تسمية الأشياء بأسمائها عن كل من لا يذكر الحقيقة و يغيبها عمدا عن الناس و أن يسمي كل إنسان بصفته عندما يفتري علي التاريخ الموثق... إلا أنني سأتبع نفس المنهج في نقد هيكل الذي لا أنكر له أستاذيته في مهنته و مهارته المتميزة في فن المقال و قدرته الجبارة علي سحب القارئ و الطواف به راكبا عبارات مدهشة يتوقف به عندما يضغط علي فرامل الفقرة ليؤكد له موقفا يمدحه و يريد تأكيده و لابأس من قصة ظريفة أوبيت شعر جميل يسوقه كنوع من الترفيه و رشوة ليستمر معه منقادا ... وقد ينطلق به قفزا فوق حقيقة حتي لا يتعثر فيها و تخالف ما يرمي إليه و قد يطير به متجاوزا حقبة من الزمن يريد ها أن تندثر من التاريخ ... باختصار هيكل يعتمد في كتاباته علي ذكر جزء من الحقيقة... نسبة مئوية يقدرها علي حسب ثم يسوقها و يبيعها باعتبارها الحقيقة الكاملة التي لا تقبل ذرة من شك ... أما بالنسبة لما يكتبه عن الإخوان فإنه أذكي من رفعت السعيد و إن كان ما يجمعها عداء تاريخي دفين إلا أن هيكل عندما يهاجم الإخوان فإنه يمدحهم في سطر و يغمزهم في سطر آخر وهذا ــ في ظنه ــ يعطيه مصداقية في قول ما يدسه عليهم في العشرأسطر التالية ...أحيانا تذكرني كتابات هيكل بالأخرس الذي قال لواحد أصم أن واحدا أعمي شاهد واحد مكسح يجري وراء واحد أقرع ليشد له شعره ....
هيكل ...ليتك تصمت ...فقد أدبر زمنك ...
____________
* م/ محمد أنور رياض مواليد الدقهلية 23 يناير 1935 خريج كلية الهندسة جامعة القاهرة قسم ميكانيكا إنتاج، اعتقل ضمن دفعة يوليو 1955 وقضي عشر سنوات في سجون عبد الناصر.
- مارس هوايته الأدبية في السجن وحصل علي الجائزة الأولي في مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها إدارة السجون وكانت لجنة التحكيم تضم الكاتب يوسف إدريس.
- كاتب منتظم بمجلة المختار الإسلامي يكتب في المواضيع المسكونة بالهم الإسلامي وتغلب علي كتاباته طابع السخرية من العقائد والفكر المستورد.
- من مؤلفاته: القابضون علي الجمر وهي رواية تسجل أحداث محنة الإخوان 1954 ورواية ليالي كرداسة التي تسجل أحداث محنة الإخوان 1965.

