حازم سعيد :
مجموعة من الأحداث مرت علينا الأسبوع الماضي فجاءت معها بطيف ما قبل الثورة لتذكرنا بالزمن البغيض الذى ما عاد لنا طاقة بتصور أن نعود ولو إلى لمحة منه .
كل هذه الأحداث متعلقة بجهاز الشرطة والداخلية والأمن الوطني ( الصورة الجديدة من أمن الدولة ) ، وكلها أحداث تدل على أن عقلية رجل الشرطة وإعداده النفسي وتربيته تحتاج إلى كثير من الجهد للعودة به إلى النظرة السوية في تعامله مع مواطني بلده وإخوانه وأهله .
الأحداث على التوالي هي الاحتكاكات الأمنية التي وقعت ببورسعيد لبعض المعتكفين بالعشر الأواخر من رمضان من قبل جهاز الأمن الوطني واشتراط بطاقة الرقم القومي وتسجيل الأسماء قبل الاعتكاف ، والحدث الثاني هو الاستجواب الأمني الهاتفي الذي قام به أحد نقباء الأمن الوطني بالإسماعيلية مع بعض أعضاء حزب النور ( السلفي ) حين حاولوا إقامة مؤتمر بالإسماعيلية للحزب ، والثالث والرابع هما الأبشع وهما الاعتداء على أهالي شهداء الثورة نتج عنها إصابات متعددة أثناء محاكمة المخلوع ، وكذلك الاعتداء بصورة همجية من قبل جنود الأمن المركزي على جماهير الدرجة الثالثة ( الألتراس ) بمباراة الأهلي وكيما أسوان أسفرت عن إصابات بشعة بين الجماهير ، وما ذلك إلا لهتافاتهم ضد الفاسد حبيب العادلي والمخلوع حسني مبارك !!!
ولنا مع هذه الأحداث مجموعة من الوقفات :
الأولي : أثبتت هذه الأحداث أن أشاوس الداخلية لم يتغيروا وأنهم قد نسوا طيف ثورة يناير ، وأنهم قد عادوا ليرتكبوا جناياتهم القديمة في حق أبناء البلد ، وهو ما يقودنا إلى نوع المناهج والثقافات والتربية التي تربي عليها هؤلاء الأشاوس سواء في كليات أو معاهد أو أكاديميات الشرطة والداخلية ، أو نوع الثقافة العامة التي تسود بينهم ، وغياب الرقابة الذاتية من ضمير كل واحد منهم – لا أقول الدينية – بل الإنسانية والحقوقية والقانونية .
إنهم عقليات ونفسيات وتركيبات بشرية نقعت نقعاً في مستنقع الديكتاتورية الآسن ، وغسلوا غسلاً بماء الفساد فجرى منهم الفساد والاستبداد والتخلف في معاملة أبناء بلدهم مجري الدم في العروق .
الثانية : لقد أثبت رجال الشرطة بهذه الأحداث أنهم لم يستوعبوا درس الثورة ، والانتهاكات الانتقامية التي قام بها البعض إزاءهم كنوعٍ من رد الفعل أثناء الثورة كانت كفيلة بلفت نظرهم لو كانوا يعقلون .
لقد أحدثت الثورة في نفوس المصريين نوعاً من العزة والكرامة ، فلم يعد مقبولاً أن يتلقى أحد إهانة جسدية أو تضييقاً في الحريات دون مقتضٍ أو دون وقفة حساب ، وما كان يجري قبل الثورة من انتهاكات ، كان رد الفعل البشع عليه من حرق أقسام شرطة أو اعتداءات وانتهاكات جسدية على بعض ضباط الشرطة بالضرب .
وإن السمعة السيئة والنبذ والطرد والإبعاد والمهانة التي سرت على كل رجال الشرطة بعد انسحابهم الكامل من الشارع المصري بعد يوم 28 يناير كلها خير رادع لهم عن اقتراف ما كانوا يقترفونه من جرائم في حق أبناء هذا الشعب قبل الثورة ويحاولون العودة إليه بغلبة الطبع والثقافة والتربية بعد الثورة لو كانوا يفهمون .
الثالثة : بدأ رجال الأمن الوطني في العودة لذات الممارسات القديمة الخاصة بجهاز أمن الدولة العتيق المتهالك ، وهى العودة الطبيعية والتي لا تستغرب لأنهم هم ذاتهم رجال أمن الدولة المتهالكين ، الذين غسل مخهم غسلاً ، بل استبدلت عقولهم بالكامل ، ليتحولوا إلى أعداء للحرية والعدل والإنصاف بصورة لا إرادية ، وليصبحوا منتهكين لحقوق الإنسان بالفطرة ، فلا نستغرب أن ينصرفوا تلقائياً لحرب أي ظاهرة تدينية أو عمل مسموح به في أي دولة ديمقراطية طالما كان القائم عليه أحد أبناء التيار الإسلامي الذين هم في نظر عقلية رجل أمن الدولة أو الأمن الوطني العدو الأول لهذا البلد !
إن هذه البداية غير المبشرة لممارسات هذا الجهاز لهو ما حذرنا منه وحذر منه المخلصون أن مثل هذا الجهاز لا يصلح أن تؤسسه حكومة تسيير أعمال جل رجالها من أبناء عهد الفساد والإفساد ، بل إن إنشاءه لابد أن يقوم عليه أبناء الثورة بعد اختيار لنوابهم ليكون تأسيسه بتشريعات وقوانين واضحة لا تدع للمفسدين مجالاً للتدخل فيه أو التلاعب به أو بالمصريين من خلاله .
الرابعة : على رجال الإعلام المنصفين ومتخصصي حقوق الإنسان وأنصار الثورة والذين قاموا بها أن يلتفتوا للمواد التي تدرس بمؤسسات الشرطة التعليمية والتأهيلية ، وينسفوا نسفاً القيم والمفاهيم والأعراف والثقافات والأخلاق التي يتربى عليها هؤلاء الأشاوس ، ويضعوا من المناهج ما هو كفيل بضبط أخلاق هذه الفئة من المجتمع ، وأن يؤسسوا للرقابة الدينية والوازع الديني لهذه الفئة ، ويضعوا من المناهج التربوية ما هو ضامن لإيقاظ الضمير والرقابة الذاتية عند كل فرد من أفراد هذه المؤسسة .
وكذلك على الجميع الالتفات لمناهج التربية والتعليم والإعلام والثقافة التي تربى أجيال ما قبل المرحلة الجامعية ، لمراجعة مفاهيم الحق والخير والعدالة والحرية والرحمة والشفقة والإنسانية التي تزرع فيهم ، وذلك لتكون تأسيساً لأجيال تحمل قيم أخلاقية صلبة لا تتهاوي مع تلك الآسنة التي يتلقونها في مثل أكاديميات الشرطة أو مناخات الجريمة التي تليها ، فلا ينحرف الفرد لمجرد التحاقه بكلية الشرطة عن مثل هذه المفاهيم .
الخامسة : تسليط الضوء مبكراً على هذه الانتهاكات والوقوف لها بحزم والتصدي لها من قبل كل المصريين ، وليست مهمة متخصص أو إعلامي أو حقوقي وحده ، بل هو واجب على كل فرد من أفراد هذا الشعب ألا يسمح بعقارب الساعة للرجوع للوراء ، لن تطلع الشمس من مغربها إلا مرة واحدة في آخر الزمان ، وكذلك لن يستعبد المصري في بلده من ثلة منحرفة من أبناء جلده مرة أخري إن شاء الله .
لتكن هذه ثقافة سائدة نعمل على تعميمها بيننا وفى كل مؤسساتنا ، في الشارع وفى المعهد وفى الكلية وفى المصنع وفى المعمل وفى المستشفى ، حتى في طابور العيش ، لن نقبل انتهاكاً من أحدٍ كائناً من كان ، ولن نسمح لأحد أن يستعبدنا أو يعيدنا للوراء أبداً .
السادسة : على رجال التشريعات أن يقفوا طويلاً مع هذه الانتهاكات بالتجريم والتحريم وسن أقصى العقوبات على الفاسدين من هذا الجهاز ، وعلى منتهكي حقوق الإنسان بمثل هذه البساطة ، وأن يضعوا من التشريعات ما هو كفيل بردع كل منحرف قبل أن يرتكب موبقاته في حق إخوانه وأبناء وطنه .
ويسألونك متى هو ؟ قل عسى أن يكون قريباً ...
تذكرة :
انقضي رمضان .. شهر الخير والقرآن .. والوصايا بالاحتفاظ بهيئة إيمانية وتعبدية معينة في رمضان كثيرة .. ويحسن القارئ قبل كاتب هذه السطور أن يخوض فيها .. ولكني أكتفى فقط بتذكرة عن وضعنا مع القرآن .. كتاب الله الذى طالما سألنا الله نحن المسلمين أن يجعله ربيع قلوبنا وذهاب غمومنا ..
ولقد اغترف منه – في رمضان – منا من اغترف ، وتزود من تزود ، وأعلم أناساً كانوا يختمون كل ثلاثة أيام ختمة ، حتى إذا ما حضر العشر الأواخر ختموا في كل يوم وليلة ختمة ، وأعلم آخرين كانوا يختمون في كل سبعٍ ختمة ، فإذا ما حضر العشر الأواخر ختموا كل ثلاثة أيام ختمة ، وأعلم أخرين بين ذلك أو أدنى بقليل ، وكلهم تزودوا من مأدبة كتاب الله عز وجل ..
فالتذكرة والنصيحة والرجاء .. أن نستمر - لن أقول نحو هذا المنوال – ولكن كلي أمل منك أخي الحبيب ألا تهجر كتاب ربك ، وأن تداوم على وردك ، ولو بختمة شهرية ، فإن القرآن هو حياة القلوب ، وهو الكنز الذى أهداه الله لهذه الأمة .. وهو النور الذى يزيل الله عنا به الظلمات .. ألا تحب أخي الكريم أن يكلمك ربك العظيم !.. فانسج أخي على منوال الصالحين وتحبب إلى ربك بالقرب من كتابه .. وفقنا الله وإياك لما فيه خيري الدنيا والآخرة .. اللهم آمين

