21/03/2009

ماذا يكون شعور المواطن المصري حين يفتح عينيه في الصباح على عنوان يقول إن مصر بين الدول الأكثر بؤسا في العالم، وإنها احتلت المركز السابع والخمسين بين ستين دولة حسب مؤشر وكالة بلومبرج للأنباء، التى أجرت دراستها اعتمادا على معدلات التضخم والاستهلاك والبطالة. وإلى جوار التقرير المنشور على الصفحة الأولى من جريدة «الشروق» (18 - 3). صورة لصبي يجسد حالة البؤس المذكورة، وخبر نصه كالتالي: أشعل طفل في المرحلة الإعدادية بمنطقة عين شمس النيران في نفسه مما أدى إلى وفاته، وأخبرت أمه آمال إبراهيم المباحث الجنائية بأن ابنها محمد علي كان يعاني من الاكتئاب بسبب الحالة الاقتصادية للأسرة، وشعوره بـ«النقص» أمام أقرانه.
حين قرأت الخبر رجعت إلى قصاصة احتفظت بها من عدد «الشروق» الصادر فى (16 - 3)، تضمنت خلاصة لتقرير ذكر أن 12ألف شاب مصري انتحروا بسبب البطالة خلال 4 سنوات، وكان مصدر الخبر مذكرة قدمها إلى مجلس الشورى أحد أعضائه ــ النائب أحمد الزهري ــ تساءل فيها عن سياسة الحكومة بشأن مشكلة البطالة، التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة، وتضاربت بصددها التقديرات. (وزارة القوى العاملة قالت إنها لا تتجاوز 7 % فى حين أكد تقرير البنك الدولي أنها تخطت 22 % وقالت منظمة العمل العربية إنها لا تقل عن 23 %). ونسب النائب رقم الـ 12ألف منتحر إلى إحصائيات المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، منبها إلى أن هؤلاء بخلاف الذين أصبحوا يموتون بالعشرات أثناء محاولات الهجرة غير الشرعية، تعلقًا بأمل الحصول على فرصة عمل خارج البلاد. ونقلت الصحيفة في التقرير ذاته خبرا من محافظة المنيا ذكر أن أحدث ضحايا حوادث الانتحار شاب في العشرين من عمره حاصل على دبلوم الصنايع، ضاقت به الأرض بسبب البطالة، فاقترض ثمن الكيروسين الذي اشتعل في جسده، فأصيب بحروق من الدرجة السادسة أدت إلى وفاته.
حين قلبت الصحف الأخرى التي صدرت (الأربعاء) وجدت أن صحيفة «الدستور» تحدثت عن ظاهرة انتحار المساجين في زنازين الداخلية، وأن «المصري اليوم» أبرزت على صفحتها الأولى خبر دعوة القوى الوطنية لتحويل 6 أبريل إلى يوم «للغضب». أما «البديل» فإنها أبرزت خبر استمرار الإضرابات العمالية فى أربع محافظات، في حين أن «الوفد» تحدثت في عنوان على الصفحة الأولى عن «قهوجي» ذبح زوجته وابنتيه، وأشعل فيهن النار ثم هرب، وإن لم يشر الخبر إلى سبب ارتكاب الجريمة.
عن الحد الأدنى، فإن المرء يشعر بالاكتئاب حين يقرأ أن مصر بين أكثر الدول بؤساً في العالم. كما أننى لست واثقاً من دقة الرقم الذي تحدث عن انتحار 12ألف شاب خلال السنوات الأربع الأخيرة، بمعدل 3 آلاف شاب كل عام أو أكثر من ثمانية شبان يوميًا، مع ذلك فإن مختلف الشواهد تدل على أن المشكلة الاجتماعية في مصر تتفاقم حينًا بعد حين، نتيجة استمرار التركيز المبالغ فيه طوال ربع القرن الأخير على الأقل على الأمن السياسي وإهمال الأمن الاجتماعي. وإذا كانت تلك مسألة تدعو إلى القلق، فإن هذا القلق ينبغي أن يتضاعف الآن، لأن الوضع الاقتصادي مرشح للتدهور في مصر، وفي كل الدول المحيطة، للأسباب المعروفة. الأمر الذي يستدعي استنفارا وإعلانا للطوارئ القصوى في مختلف أجهزة الدولة للتعامل مع احتمالات المستقبل، التي إذا كانت هذه مقدماتها، فإننا ينبغي ألا نتفاءل كثيرًا بالمآلات، حيث تشير مختلف التقارير إلى أن الأزمة الاقتصادية ستبلغ ذروتها مع نهاية العام. وللأسف فإننا نشاهد في مصر درجة من الاسترخاء الغريبة، التي تعطي الانطباع بأن الأمر ليس مأخوذا على محمل الجد، وأن الاهتمام مقدم على مقتضيات الاستقرار.