تشهد الساحة السودانية تصعيدًا غير مسبوق على المستويين العسكري والإقليمي، في ظل استمرار الحرب الدامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات، وما يرافقها من انهيار أمني وإنساني واسع النطاق، وسط تحركات دبلوماسية مكثفة وتحذيرات مصرية واضحة وصلت حد التلويح باتخاذ إجراءات حاسمة لحماية أمنها القومي المرتبط بشكل مباشر باستقرار السودان.

 

في هذا السياق، أكدت مصر أن المساس بمؤسسات الدولة السودانية أو تقويضها يمثل «خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه»، مشددة على حقها الكامل في اتخاذ كل التدابير التي يكفلها القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين.

 

جاء ذلك في بيان رسمي صادر عن رئاسة الجمهورية المصرية عقب استقبال عبد الفتاح السيسي للفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، خلال زيارة رسمية للقاهرة خُصصت لبحث سبل تسوية الأزمة السودانية وتعزيز العلاقات الثنائية.

 

وأوضح البيان أن القاهرة تنظر إلى الأمن القومي السوداني باعتباره امتدادًا مباشرًا لأمنها القومي، في ظل تشابك المصالح الجغرافية والسياسية والأمنية بين البلدين، مؤكدًا أن الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه ورفض أي محاولات للتقسيم أو إنشاء كيانات موازية، يمثل أولوية قصوى لا تقبل المساومة.

 

كما جددت مصر رفضها القاطع لأي محاولات للانفصال أو الاعتراف بسلطات موازية، معتبرة أن ذلك يشكل تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان وسيادته، وينذر بتداعيات خطيرة على استقرار المنطقة بأكملها. وشدد البيان على استمرار التنسيق المصري مع مؤسسات الدولة السودانية، والعمل ضمن إطار اللجنة الرباعية الدولية للتوصل إلى هدنة إنسانية شاملة تمهد لوقف إطلاق النار، وفتح ممرات آمنة لحماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات.

 

وفي الوقت ذاته، عبّرت القاهرة عن قلقها البالغ إزاء التصعيد الميداني المتواصل، وما تشهده مناطق عدة من السودان، لا سيما دارفور وكردفان، من مذابح وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين، معتبرة أن ما يجري يفاقم الأزمة الإنسانية ويفتح الباب أمام سيناريوهات شديدة الخطورة.

 

الأمم المتحدة تنسحب من كادوقلي

 

بالتوازي مع التصعيد السياسي، أعلنت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في منطقة أبيي «يونيسفا» إخلاء قاعدتها اللوجستية في مدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان، عقب تعرضها لهجوم بطائرة مسيّرة أسفر عن مقتل ستة من جنود حفظ السلام من الكتيبة البنغلادشية وإصابة آخرين بجروح خطيرة.

 

 

وأكدت البعثة أن القرار جاء بعد تقييم شامل للوضع الأمني، الذي بات يعيق قدرتها على أداء مهامها، مشيرة إلى أنها ستعيد النظر في استئناف أنشطتها عندما تسمح الظروف بذلك. وأثار الهجوم تبادلًا حادًا للاتهامات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في وقت اعتبر فيه الجيش أن الاستهداف يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ولقرارات الأمم المتحدة التي تحمي قوات حفظ السلام.

 

هجمات بالمسيّرات وانقطاع للكهرباء

 

ميدانيًا، واصلت قوات الدعم السريع تصعيد عملياتها باستخدام الطائرات المسيّرة، حيث شنت هجومًا واسعًا على مدن شرق السودان، مستهدفة محطة المقرن لتوليد الكهرباء في عطبرة، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن ولايات عدة، بينها الخرطوم وبورتسودان، ومقتل عناصر من الدفاع المدني أثناء محاولتهم إخماد الحرائق.

 

وأفادت مصادر محلية بأن الهجمات طاولت منشآت مدنية ومنازل سكنية، وأسفرت عن سقوط ضحايا، بينهم أطفال، في وقت فعّل فيه الجيش أنظمة دفاعه الجوي للتصدي للهجمات. وتسببت الضربات في شلل واسع للخدمات الأساسية، وأثرت بشكل مباشر على المستشفيات والاتصالات وسلاسل الإمداد.

 

قصف مدفعي ونزوح جماعي

 

وفي جنوب كردفان، تعرضت مدينة الدلنج لقصف مدفعي مكثف لليوم الثاني على التوالي، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وفق تقارير طبية وحقوقية. وأدانت شبكة أطباء السودان استهداف المناطق السكنية، معتبرة أن ذلك يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي، ويضاعف الضغط على المرافق الصحية المنهكة.

 

وأشارت تقارير المنظمة الدولية للهجرة إلى نزوح عشرات الآلاف من إقليم كردفان خلال الأسابيع الأخيرة، مع استمرار الحصار المفروض على مدن رئيسية مثل كادوقلي والدلنج، وسط مخاوف متزايدة من تفشي المجاعة وانعدام الخدمات الأساسية.

 

وتؤكد الأمم المتحدة أن الحرب المستمرة منذ إبريل 2023 تسببت في مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين، ووصفتها بأنها «أسوأ أزمة إنسانية في العالم». ومع تعثر جهود الوساطة الدولية وغياب أي مؤشرات حقيقية لوقف القتال، تتزايد المخاوف من انهيار شامل للدولة السودانية، وما قد يحمله ذلك من تداعيات إقليمية خطيرة.