في مشهدٍ يلخص حالة التآكل التي يعيشها الوطن تحت وطأة الإهمال والفساد، استيقظت منطقة "القاهرة الجديدة" – أيقونة المدن التي يتباهى بها النظام – على كارثة حقيقية؛ إذ انشقت الأرض فجأة في منطقة "النرجس 5" بالتجمع الخامس، لتبتلع معها ما تبقى من ثقة المواطنين في "الجمهورية الجديدة" التي يصدع رؤوسنا بها إعلام النظام ليل نهار.
هذا الهبوط الأرضي ليس مجرد حادث عارض أو خلل فني، بل هو تعبير صارخ عن انهيار البنية التحتية المتهالكة التي توارت خلف واجهات "الخرسانة" البراقة، ودليل دامغ على أن الفساد الإداري وغياب الرقابة باتا ينخران في عظام الدولة حتى هوت الأرض من تحت أقدام ساكنيها .
حي النرجس يغرق في الإهمال
الحادثة التي أثارت الرعب والذعر بين السكان والمارة في أرقى أحياء القاهرة، كشفت عن الواقع المزري الذي يحاول النظام إخفاءه.
فوفقًا لشهود العيان، توقفت حركة المرور تمامًا بعد أن تحول الشارع إلى فجوة عميقة تهدد بابتلاع السيارات والمارة.
التحقيقات الأولية – التي غالبًا ما تنتهي "ضد مجهول" في قاموس العسكر – أشارت إلى أن السبب هو "تسرب مياه" من خط مياه معالجة وخط مياه شرب؛ مبرر ساذج يكشف عن رداءة المواد المستخدمة وغياب الصيانة الدورية لشبكات تخدم آلاف المواطنين الذين يدفعون دم قلوبهم ضرائب ورسومًا لا تعود عليهم إلا بالخراب
حلول "الترقيع" وإدارة الأزمات البدائية
وكعادة حكومة الانقلاب التي لا تملك إلا الحلول الأمنية أو "المسكنات"، سارع جهاز تنمية مدينة القاهرة الجديدة باتخاذ القرار الأسهل والأكثر قسوة: قطع المياه عن المنطقة بالكامل وعن المناطق المجاورة، تاركًا الأهالي في العراء بلا خدمات أساسية.
وبدلاً من تقديم حلول جذرية أو محاسبة المقاولين الفاسدين المسؤولين عن تنفيذ هذه الشبكات "الورقية"، اكتفت السلطات بالدفع بسيارات مياه – في مشهد يعيد للأذهان مخيمات اللاجئين لا أحياء العواصم الحديثة – لتوفير المياه للمواطنين "لحين الانتهاء" من أعمال الإصلاح التي قد تطول، في سياسة "ترقيع" مفضوحة لا تعالج أصل الداء
الفساد ينخر تحت الإسفلت
إن ما حدث في التجمع الخامس هو جرس إنذار لما هو قادم؛ فبينما ينفق النظام المليارات على "القطار الكهربائي" و"أطول سارية علم" في العاصمة الإدارية الجديدة لإرضاء غرور الحاكم، تُترك المدن القائمة لتواجه مصيرها المحتوم من الانهيار. هذا الهبوط الأرضي يطرح تساؤلات مشروعة عن مصير المليارات التي صُرفت على البنية التحتية المزعومة، وعن شبكات المصالح التي تسند إليها هذه المشروعات بالأمر المباشر دون رقيب أو حسيب.
إن الأرض التي هبطت في التجمع لم تسقط بفعل الطبيعة، بل أسقطها ثقل الفساد الذي لم يعد باطن الأرض قادرًا على حمله، لتظل حياة المصريين معلقة على "كف عفريت" في ظل نظام لا يتقن سوى فن الجباية وبيع الوهم

