أثار الدكتور مراد علي، المستشار الإعلامي لحزب "الحرية والعدالة"، موجة من الجدل بين متابعيه عبر منصات التواصل الاجتماعي بعد أن وجه الدعوة إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، باعتزال العمل السياسي بكافة صوره، في إطار مراجعة داخلية جذرية تفضي إلى إعادة تعريف دور الجماعة، والانتقال بها إلى صيغة جديدة، بما يتوافق مع روح مشروع الإمام الشهيد حسن البنا. 

 

يأتي هذا التطور في أعقاب الأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالنظر في إدارج بعض فروع الجماعة في مصر ولبنان والأردن على قوائم الإرهاب.

 

الأمر الذي عدّه علي "جزءًا من خطة أوسع يتبناها المحور الصهيوني لإضعاف التيار الإسلامي في كل دول العالم، خاصة بعد التحولات الكبرى التي أحدثها طوفان الأقصى في وعي جيل الشباب".

 

وقال إنه سبق أن نبّه كثيرون مرارًا إلى الحاجة الملحّة لمراجعة آليات الجماعة ووسائلها وبعض توجهاتها، "ولكن ما كان ضرورة بالأمس بات اليوم فريضة وقت لا يجوز تأخيرها".

 

وفيما اعتبر أن "المسار القانوني ضد القرار الأمريكي المتوقع– على أهميته – طويل ومعقّد، وقد يستغرق عقودًا كما حدث مع منظمة مجاهدي خلق"، رأى علي أن "أدوات التأثير المتاحة للجماعة على صُنّاع القرار في واشنطن باتت محدودة، في ظل إدارة ترامب التي تتبنّى بالكامل الرؤية الصهيونية وتتعامل مع التيار الإسلامي بوصفه تهديدًا ينبغي استئصاله".

 

إجراء مراجعة داخلية


لذا، رأى المستشار الإعلامي لحزب "الحرية والعدالة"، أن البديل الأكثر واقعية، والأقرب إلى روح مشروع الإمام الشهيد حسن البنا، هو إجراء مراجعة داخلية جذرية تفضي إلى إعادة تعريف دور الجماعة، والانتقال بها إلى صيغة جديدة، "جماعة دعوية إصلاحية تُعنى ببناء الإنسان، ونشر الفكرة الإسلامية بشمولها، ومقاومة الفساد الأخلاقي، وتربية الأجيال على الإسلام في فهمه الشامل الصحيح".

 

وقال إن هذا التحوّل – إن أُخذ بجدية – يقتضي "اعتزال العمل السياسي المباشر بكافة صوره، لا مجرد التنافس على السلطة، مع الإبقاء على حق أفراد الجماعة – لا كتنظيم – في تأسيس أحزاب سياسية متنوعة ومستقلة لا ترتبط تنظيميًا بالجماعة، فيما تبقى الجماعة نفسها صوتًا دعويًا إصلاحيًا لا حزبًا ينافس على الحكم، ولا حركةً تُتَّهم – ظلمًا أو تأويلًا – بالسعي إليه".

 

وأوضح أن "هذا التحوّل ليس التفافًا على القرار الأمريكي، ولا خطوة تكتيكية ظرفية، بل هو امتداد طبيعي لمنهج الجماعة الأول في مئويتها الثانية، وتجديدٌ لرسالة الإمام المؤسّس، وإعادة تموضع حكيم تتطلبه الظروف العالمية الجديدة".

 

لكن علي أكد أن "مثل هذا التغيير يحتاج إلى شجاعة نادرة، وإلى قدرة على مواجهة القواعد العاطفية التي قد ترى في ذلك تراجعًا أو هزيمة. كما قد يترتب عليه انفصال بعض المجموعات التي لا تستوعب الرؤية الجديدة، وهو أمر طبيعي يحدث في كل عملية تجديد كبرى".

 

 لذا، شدد على أهمية رأب الصدع بين المجموعات المختلفة داخل الجماعة، والتحلّي بسعة الصدر، والقبول بأنّ التحول التاريخي لا يتم إلا بآلام وتضحيات.

 

حملات تشكيك

 

في المقابل، توقع المستشار الإعلامي لحزب "الحرية والعدالة"، أن "تواجه الجماعة حملات تشكيك كثيرة، وسيُقال إن هذا التحول ليس إلا حيلة لتجاوز التصنيف الأمريكي. ولذلك فالأمر بحاجة إلى وقت، وأداء عملي على الأرض يثبت صدق التوجّه الجديد، ويبدد الشكوك، ويعيد بناء الثقة في العالم العربي والغربي".

 

وأكد أن الجماعة – في هذا السياق – تحتاج إلى بناء استراتيجية علاقات عامة ودبلوماسية جديدة، توظف ما تبقّى من علاقاتها السابقة في تركيا وقطر وأوروبا وآسيا، لفتح جسور تواصل مع الحكومات العربية والغربية، ومع المؤسسات الدولية، بما يعكس التحول الحقيقي في منهجها ورؤيتها.

 

مع إقرار علي بأن "الاختبار صعب، والبدائل ليست مضمونة النتائج"، لكنه رأى أن "سنة الله في الدعوات والحركات واحدة: من لم يُجدّد جلدَه يتقادم، ومن لم يتخذ خطوات جذرية في اللحظات الفاصلة قد يختفي من التاريخ".

 

 

جدل واسع 


وأثارت دعوة المستشار الإعلامي لحزب "الحرية والعدالة"، أصداءً واسعة بين متابعيه عبر منصة "إكس"، الذين انقسموا في الرأي ما بين مؤيد لإطروحته باعتزال الإخوان للعمل السياسي، وبين آخرين يتهمونه بالانهزامية ويرفضون التعاطي مع الفكرة.

 

وأكد معارضون لفكرة اعتزال الجماعة العمل السياسسي، أن المشكلة لا تتعلق بوضعية الجماعة والحرب المستعرة عليها في ظل التطورات الدولية الراهنة، بل فيما تتبناه من أفكار مستوحاة من صميم الإسلام، وهو أمر لا يلقى ترحيبًا أو تأييدًا في الدوائر الغربية، وهو ما يفسر بحسب هؤلاء القرار الأمريكي الأخير، ومحاولة وصم الجماعة بالإرهاب والعنف، على الرغم من تبنيها خطابًا سلميًا يدعو إلى التعايش بين الأمم، ويدين أفكار العنف التي تروج لها بعض الجماعات الأخرى.  


ورأى الكاتب جمال سلطان، أن "مقال القيادي الإخواني يأتي في سياق قلق داخل الجماعة من غموض مستقبل مشروعها، واختياراتها في العمل العام، حيث ينشط تيار داخلها يدعو على استحياء إلى ترك العمل السياسي باعتباره غير مثمر، وتكاليفه الأمنية والسياسية والإنسانية كبيرة، والعودة إلى العمل الخيري والتربوي، وبعضهم يقترح اعتزال العمل السياسي مدة محددة كعشر سنوات، وهي دعوة يدور حولها جدل كبير داخل الجماعة حاليًا".

 


مع ذلك، أكد مستشار حزب الحرية والعدالة في ردوده أن "الغرض ليس تجنب العقوبات الأمريكية.. لكن الإخوان حقًا في حاجة إلى مراجعة وقد تحدثنا في ذلك عدة مرات خلال السنوات الماضية. وربما يجعل القرار الأمريكي القيادات تأخذ قرار المراجعة".

 

وردًا على على أحد المتابعين الذي يقول إن "صيغة جماعة اصلاحية تنشر الاسلام بفكرة الشمولي الذي يشمل جميع مناحي الحياة، تتعارض مع اعتزال العمل السياسي،،، وتفريغ للفكرة من مضمونها"، أوضح علي: "ما أعنيه وقف ممارسة العمل السياسي المباشر مثل الانخراط في الانتخابات أو تكوين أحزاب أو المشاركة في السلطة أو الاشتباك في الأحداث السياسية اليومية.. أما نشر الفكر وتعليم الناس شمولية الإسلام وتشجيعهم على المشاركة الفعالة كأفراد شيء مختلف. لا فرضية على التنظيم أن يعمل بالسياسة، كما لا فرضية عليه أن يعمل مثلاً بالتجارة، وليس معني هذا أن الإسلام لا علاقة له بالتجارة".