في حلقة جديدة من مسلسل استنزاف المواطن المصري، تحولت الجامعات الخاصة والأهلية إلى "بوابات جباية" تمارس أبشع أنواع الابتزاز المالي ضد الطلاب وأولياء الأمور، مستغلة غياب الرقابة وتواطؤ الجهات المسؤولة. الأزمة ليست مجرد خلاف حول "استرداد رسوم"، بل هي منهجية منظمة لسرقة أموال الأسر التي تبحث عن فرصة تعليمية، لتجد نفسها عالقة في "مصيدة" اللوائح المجحفة التي تشرعن الاستيلاء على الأموال دون تقديم أي خدمة، في ظل صمت مطبق من المجلس الأعلى للجامعات الذي يبدو وكأنه "نقابة" لحماية أرباح المستثمرين في التعليم، لا حقوق الطلاب.
"خاوة" التحويل: ادفع لترحل!
القضية التي فجرت غضب الرأي العام مؤخراً لطالب حاول التحويل إلى جامعة أخرى، تكشف عن الوجه القبيح لهذه المؤسسات. فبعد حصوله على القبول النهائي، فوجئ بمطالبة جامعته القديمة بدفع 8 آلاف جنيه كـ"إتاوة" تحت مسمى "مصروفات ترم"، رغم أنه لم يطأ بقدمه قاعة محاضرات واحدة! هذه الواقعة ليست فردية، بل هي "عرف سائد" أكدته مئات التعليقات الغاضبة: الجامعات ترفض تسليم الملفات إلا بعد "دفع الفدية".
إن إجبار طالب على دفع رسوم دراسية كاملة أو جزئية عن فصل دراسي لم يحضره، لمجرد أنه "حجز مقعداً"، هو احتيال مقنن. فأي منطق أكاديمي أو أخلاقي يبرر تحصيل أموال مقابل خدمة لم تؤدَ؟ وكيف تحولت الجامعات من مؤسسات تعليمية إلى "شركات تأمين" تخصم نسباً خيالية (تصل إلى 50% في الشهر الأول) بمجرد تأخر الطالب في سحب ملفه؟
اللوائح: "قانون" لنهب الجيوب
المجلس الأعلى للجامعات الخاصة والأهلية، بدلاً من أن يكون حكماً عدلاً، وضع لائحة تبدو وكأنها صيغت في مكاتب ملاك الجامعات. قاعدة "الخصم التدريجي" هي السوط الذي يُجلد به ولي الأمر:
- قبل الدراسة: خصم 10% (مصاريف إدارية باهظة لمجرد تسجيل اسم!).
- خلال شهر: خصم 50% (نصف المصاريف تتبخر في الهواء!).
- بعد شهر: "راحت عليك الفلوس" (مصادرة كاملة للأموال).
هذه القواعد لا تراعي الظروف القهرية ولا فرص التحويل الحكومي التي قد تظهر متأخرة. إنها عقود إذعان تفرضها "مافيا التعليم" على أسر باعت ما تملك لتعليم أبنائها، لتكتشف أن "المقعد الجامعي" أغلى من الذهب، وأن الانسحاب منه يكلف "غرامة" تفوق قدرة احتمالهم.
"البيزنس" يحكم: التعليم سلعة لمن يدفع
ما يحدث هو تجسيد لسياسة الدولة التي حولت التعليم إلى سلعة. التوسع في الجامعات الأهلية والخاصة لم يكن بهدف التنوير، بل لفتح "سوق" جديد يدر المليارات. لذا، نجد صمتاً حكومياً مريباً تجاه هذه الشكاوى. فالحكومة التي انسحبت من دعم التعليم الحكومي وتركت الجامعات الحكومية تئن، هي نفسها التي تبارك هذا "التوحش" في القطاع الخاص، لأنها شريك فيه عبر الجامعات الأهلية التي تمارس نفس سياسات الجباية.
صرخات في وادٍ غير ذي زرع
المناشدات التي يطلقها الأهالي لوزير التعليم العالي هي "صرخات في الهواء". فالوزارة، التي يفترض بها حماية الطالب، تكتفي ببيانات "ذر الرماد في العيون"، بينما تستمر الجامعات في احتجاز الملفات وابتزاز الطلاب. إن الحل ليس في "مناشدات"، بل في:
- إلغاء لوائح الاسترداد الظالمة فوراً، وربط الخصم بالخدمة الفعلية (أيام الحضور) وليس بـ"حجز المكان".
- تجريم احتجاز ملفات الطلاب وربطها بدفع رسوم غير مستحقة.
- فرض رقابة مالية صارمة على "الرسوم الإدارية" التي أصبحت باباً خلفياً للسرقة.
الخلاصة: مستقبل مرهون بـ "الإيصال"
إن استمرار هذا الوضع يعني أن مستقبل الطالب المصري لم يعد مرهوناً بكفاءته أو تفوقه، بل بمدى قدرة والده على الدفع، ومدى خضوعه لابتزاز "سماسرة التعليم". نحن أمام منظومة تعليمية "فاسدة" إدارياً وأخلاقياً، ترى في الطالب "زبوناً" يجب اعتصاره حتى آخر جنيه، وفي ولي الأمر "فريسة" لا مفر لها سوى الدفع أو ضياع مستقبل الأبناء.

