بينما تتصاعد المخاوف من انتشار فيروس "ماربورغ" القاتل الذي ينهش الجسد الإثيوبي، خرجت وزارة الصحة في حكومة الانقلاب بإعلانات رنانة عن "رفع حالة التأهب القصوى" في المنافذ.
لكن هذه التصريحات لا تثير الطمأنينة بقدر ما تفتح جرحاً لم يندمل في ذاكرة المصريين: كيف أدارت هذه المنظومة العسكرية الفاشلة كارثة كورونا؟
اليوم، تتكرر نفس الأسئلة المشروعة التي قوبلت سابقاً بالإنكار والتعتيم: هل الدولة مستعدة حقاً؟ أم أننا أمام فصل جديد من "الشو الإعلامي" الذي يغطي على عجز فاضح في حماية أرواح المواطنين؟
استعراض "الحدود".. وواقع الداخل المتردي
تبرر الحكومة إجراءاتها الجديدة بما أعلنته منظمة الصحة العالمية عن تفشي الفيروس في إثيوبيا، حيث تجاوزت الإصابات 300 حالة والوفيات 80 حالة. ونظراً لحجم الحركة الجوية بين البلدين، يبدو القلق مبرراً، وإجراءات فحص القادمين وعزلهم ومتابعتهم لمدة 21 يوماً تبدو منطقية "نظرياً".
لكن الأزمة الحقيقية تكمن فيما لا تقوله البيانات الرسمية. فبينما يُسلط الضوء على المطارات، يغرق الداخل في الظلام. شهادات متواترة من داخل المدارس تتحدث عن أعراض حادة وغريبة تضرب الطلاب، وسط صمت مريب من وزارتي الصحة والتعليم. هذا التجاهل المتعمد لأي إشارات إنذار مبكر يعيد للأذهان سيناريو "الإنكار الأولي" الكارثي الذي مارسه النظام في بدايات جائحة كورونا، حين كان المسؤولون ينفون وجود الفيروس بينما كانت المستشفيات تكتظ بالضحايا.
"الصحة" آخر الأولويات.. والأمن السياسي أولاً
المشكلة تتجاوز العجز الفني إلى خلل بنيوي في عقيدة النظام الحاكم. يرى مراقبون ومعارضون أن إدارة الأزمات في عهد السيسي لا تهدف لحماية "الصحة العامة" بقدر ما تهدف لحماية "صورة النظام". المعادلة واضحة وثابتة: السيطرة على "الرأي العام" وإسكات الأصوات الناقدة أهم بكثير من السيطرة على الفيروس نفسه.
هذه السياسة الأمنية في التعامل مع الأوبئة حولت المواطن إلى "رقم" يمكن التضحية به في سبيل "الاستقرار السياسي" المزعوم. فبدلاً من المصارحة والشفافية لتوعية المجتمع، تلجأ الدولة إلى التعتيم، مما يفسح المجال للشائعات والرعب، ويترك المواطنين يواجهون مصيرهم في مستشفيات متهالكة تعاني أصلاً من نقص المستلزمات والأطقم الطبية.
خطة "فراغ" أم انتظار للكارثة؟
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة الآن: هل تمتلك حكومة الانقلاب خطة حقيقية وعملية لحماية المدارس والجامعات والمستشفيات إذا -لا قدر الله- اخترق الفيروس الحدود؟ أم أن "الخطة" الوحيدة هي انتظار وقوع الكارثة ثم التعامل معها بمنطق "إدارة الأزمة إعلامياً" وتحميل المواطن مسؤولية "قلة الوعي"؟
إن استمرار نهج "اللامبالاة" تجاه الداخل، والاكتفاء بإجراءات شكلية على الحدود، ينذر بكارثة صحية جديدة قد تكون أشد فتكاً، خاصة مع فيروس لا يرحم مثل "ماربورغ". المصريون اليوم لا يواجهون خطر الوباء فحسب، بل يواجهون خطراً أكبر يتمثل في نظام فاقد للأهلية والمصداقية، يتعامل مع أرواحهم باستخفاف لا يغتفر.

